-A +A
أ. د. عبدالحليم موسى

على الرغم من تطور التقنية الرقمية، والتوسع المعرفي في مجال الطفرة الإلكترونية، وتوسيع نطاق استخداماتها بحثياً وعلمياً وعملياً في مختلف مناحي الحياة، إلا أن هناك إرهاصات ألقت بثقلها على هذه التقنية ليتولد من خلالها «التنمر الإلكتروني» الذي أصبح ظاهرةً تستدعي من الباحثين والتربويين وغيرهم التوقف لمناقشة جذور المشكلة والخروج بتوصيات علمية لاستئصالها من المجتمع الرقمي والواقعي.

وغشيت مثل هذه الظاهرة كافة المؤسسات التعليمية والفنية.. وحتى المباريات الرياضية لم تسلم من آفاتها، وذلك حينما شاهد العالم دموع نجم نادي «ريال مدريد» فينيسيوس جونيور؛ عقب تعرضه لهتافات عنصرية، مما دعا البرازيل إلى إطفاء أضواء تمثال المسيح في «ريو دي جانيرو» لفترة من الزمن، لتؤكد للعالم نغمتها على قصة التنمر الرياضي على أحد لاعبيها في ملاعب أوروبا، وقصة فينيسيوس جونيور تمثل صورة متكررة باختلاف الجغرافيا والأزمنة، حيث إن من أحد إسقاطات هذه الظاهرة الصراع النفسي بين الأمم والشعوب.

وقد ساهمت الحتمية التكنولوجية من تجميع قصص التنمر عبر شاشات الأجهزة الذكية؛ عبر عددٍ من التطبيقات؛ التي ترى الدموع تذرف فيها حتى كادت أن تغرق مواقع التواصل الاجتماعي بفيضان دموعها؛ وما ألم بفيصل العتيبي ودموعه التي أبكت المشاهير أنفسهم، حتى ظهر الدعم المجتمعي والفني والجماهيري عبر «الترند» الذي اشتهر بوسم «كلنا فيصل العتيبي».

وتواصل ظاهرة التنمر الإلكتروني طوفانها في مختلف بقاع الأرض، حيث شهدت حتى المؤسسات التعليمية تبعاتها، ليظهر لنا التنمر في المدارس عندما يتنمر الطلاب على زميلهم أو الطالبات على زميلتهم، إما للون أو لوزن أو لخلقة جسمانية، مما يقود ذلك إلى تحطيم الطفل أو المراهق أكاديمياً ونفسياً أو الذهاب إلى أقسام الحوادث بالمستشفيات، حتى أن بعض الطلاب اضطر إلى ترك مقاعد الدراسة أو الانتقال إلى مدرسةٍ أخرى مع تدني المستوى الأكاديمي. وكم من مآسٍ خلدتها ذاكرة هذا المرض الاجتماعي الخطير حينما أصاب ضحايا التنمر بعض الأمراض النفسية التي قتلت مواهبهم وإبداعاتهم ونياط قلوبهم.

وما قصة التنمر على الفنانة الإنجليزية Susan Boyle حينما غنت أغنية رواية البؤساء المشهورة «I Dreamed A Dream» في برنامج المواهب البريطانية والذي فازت فيه بالجائزة الأولى، فحينما اعتلت خشبة المسرح لتقدم موهبتها تعرضت للتنمر البصري من أحد حكام البرنامج بيد أنّها أدهشتهم بصوتها الرخيم حتى وقفوا جميعاً تصفيقاً لموهبتها النادرة.

كم قتلنا بتنمرنا على بعضنا قلوباً كان يمكن مساهمتها في رفع القيم الإنسانية في مكانٍ ما، من العالم الرقمي والواقعي؟

يبقى على التربويين والإعلاميين أن تتضافر جهودهم لمعالجة هذا الداء العضال الذي يصيب يومياً عشرات الطلاب وغيرهم عبر المواقع الافتراضية والواقعية، وينبغي على المدارس أن تزيد من جرعة الدورات التدريبية والإرشادية عن التنمر، حتى لا يتحول المتنمر عليه إلى متنمرٍ أيضاً، استناداً إلى نظرية الفعل وردة الفعل والتي هي جزء من الطبيعة البشرية.