-A +A
ريناد الصفار Renad.alsaffar@gmail.com
قامت قبل رحيلها ببناء قلعة حصينة، ولكنها أضرمت النار بخنادقها لحظة خروجها منها. وعزمت على الحفاظ على مسافة آمنة تمنعها من العودة لأسوار تلك القلعة الموصوفة بالحصينة إلا من ظلم الأحبة، فلذلك سورت قلبها عِوضاً وأملاً باستقرار المصير.

ولكن بعد رحيلها، تفاقمت بقلبها الوحشة، وهذه المرة ليس لكونها ضمن سرب لا تنتمي له بل لأنها كانت ضمن من تنتمي لهم بعد وقت طويل.


اعتادت طوال تلك السنين أن تغلف فؤادها بدروع سميكة؛ خشية أن تحاصرها الآلام، واعتاد قلبها الهش على جبيرته حتى أصبح خلعها مؤلماً. وبينما هي غارقة في فوضى الشعور ظنت أنها أضاعت السبيل، ولم تعلم أن إيجاده يقتضي إضاعته.

هي موقنة أن كونها مجردة من أي درع يعني تعرضها لجروح ليست بالحسبان، لذلك هي تأبي أن تكون عرضة الانفتاح، ولم تعلم أن الوقت كفيل بأن يجعل قلبها يتصالح مع ضعفه، وأن تلك القوة التي كانت تتظاهر بامتلاكها هي بالأساس متأصلة فيها.

أنا لا أدعو لأن نهدم الأسوار وأن نكون سهولاً منبسطة ينتفع من أراضينا الدخلاء. كل ما أرجوه هو أن يكون لأسوارنا أبواب، وأن نكون قادرين على تخصيص مساحة حرة رغم وجود الأشخاص المفضلين. وذلك معنىً أعمق وهدفٌ أصعب.

فمن هم أولئك النادرون الذين يستطيعون الدخول لمساحتنا الحرة من غير أن يقوموا ببناء أبراجهم العليّة أو زراعة أشجارهم المعمرة. إنني أتساءل حقاً عن أولئك الذين يستطيعون أن يكونوا نهراً يجري بعيداً إلا عن مصبِّه، فيجرون فينا ولكنهم لا يستحوذون. ونكون ونحن معهم مُلهمين وممتلئين، وتظل تلك المساحة حرة إلا من الجنون!