-A +A
شذى ياسين إدريس - ماجستير الصيرفة الإسلامية
تأثر البعض بتباطؤ العجلة الاقتصادية مع أزمة كورونا، فهناك من كان يعيش بمبدأ «اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب»، يشتري ما يحتاجه وما لا يحتاجه، حتى إن كان خارج حدود الإمكانات، وأهمل مبدأ الادّخار الذي نادى به الكثير من الخبراء، حتى وإن كان ما ندخره مبلغًا بسيطًا كل شهر. ونبعت المشكلة من تدني مستوى المعرفة المالية في مجتمعنا، نتيجة عدم إدراجه ضمن مناهجنا التعليمية، مع أن المعرفة المالية اليوم هي أحد أهم المعايير لتحقيق رؤية ٢٠٣٠.

مبدأ الادّخار مهم في حياة كلّ فرد، وحثّ عليه ديننا الحنيف، وورد ذكره في القرآن الكريم في سورة يوسف؛ في قصة رؤيا ملك مصر.. يقول تعالى: «وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُون» ﴿٤٣﴾، وقد تم تفسير الرؤيا من قبل سيدنا يوسف في قوله تعالى: «قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ» ﴿٤٧﴾، فجاء الإرشاد واضحًا وصريحًا لأهمية الادّخار في أوقات الرخاء لأوقات الشدة وعدم الإسراف. ثم جاءت آية أخرى لتكمل تفسير الرؤيا «ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ» ﴿٤٨﴾، فالآيتان أرشدتانا لأهمية الادّخار في الرخاء لأوقات الشدة، إضافة إلى الإشارة الواضحة لوجود الدورات الاقتصادية، حيث تم ذكر سبع سنوات رخاء متبوعة بسبع سنوات شدة وجدب، ويأتي قول الله تعالى مؤكدا لوجود الدورات الاقتصادية.. «ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ» ﴿٤٩﴾، ذكر سيدنا يوسف أنه بعد السبع السنوات التي فيها جدب سيأتي عام فيه يغاث الناس؛ إشارة إلى بداية الرخاء في العام الثامن بعد نهاية العام السابع من الشدة، وهو تأكيد ثانٍ لوجود الدورات الاقتصادية.


أما الإرشاد للادّخار من خلال المخلوقات الكونية، فنجده عادة تمارس من قبل الكثير من المخلوقات، مثل طائر كسار البندق وهو من فصيلة الغربان، يعيش في أمريكا الشمالية في منطقة الصخور الصفراء، ففي الصيف يبدأ الطائر رحلة الادّخار؛ فيحمل بذور أشجار الصنوبر بمنقاره ويدسها أسفل لسانه، حيث توجد حوصلة تتسع لتخزين حوالى ١٥٠ حبة يطير بها الطائر ويأخذها بعيدا على بعد ٢٥ كيلومترًا تقريبًا؛ ليزرع الحب في أرض ثانية فيضع كل عشر حبات في مكان في الأرض، ويغطيها بالتراب والحجر حفاظًا عليها، ويكرر رحلته إلى أشجار الصنوبر، ليحمل الحبوب ويخبئها في أرض أخرى، تكرار هذه الرحلة ينتج عنه زراعة 30 ألف حبة صنوبر في الموسم الواحد. وحين يأتي الشتاء ويكسو الجليد الأرض، يستطيع هذا الطائر بسبب ذاكرته القوية التعرف إلى الأماكن التي خبأ فيها رزقه من الحبوب التي ادخرها طوال العام. ومن حكمة الله أن الطائر يتعرف فقط على 700 من كل ألف مكان خبأ فيه رزقه لينفع غيره بمقدار 300 شجرة تقريبًا تنبت من الحبوب التي خبأها كسار البندق! لعلي أنادي هنا مرة أخرى بأهمية تعليم المعرفة المالية التي ترسخ مبدأ الادخار كونه جوهر الاستثمار، فالمبادئ المالية لا بد أن يتم ترسيخها في سن مبكرة عن طريق إدراج منهج للمعرفة المالية ضمن المناهج التعليمية.

مصدر أمان للإنسان من احتياجه للآخرين

ينمي القدرات على التخطيط للمستقبل

يساعد المرء في الوصول لأهدافه سريعا

فوائد الادخار