-A +A
رامي الخليفة العلي
دعا رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد إلى قمة مصغرة تضم إلى جانب بلاده كلا من تركيا وقطر والباكستان وإندونيسيا. كان يمكن أن ينظر إلى تلك الخطوة باعتبارها حلقة ضمن سلسلة بناء التعاون والتنسيق بين الدول الإسلامية. من حيث المبدأ أي تطور في العلاقات بين دولتين أو أكثر من الدول الإسلامية هو في الاتجاه الصحيح، ولكن عندما يتحدث رئيس الوزراء الماليزي عن قمة إسلامية مصغرة ويطلق تصريحات غير مسؤولة حول مناقشة قضايا تتعلق بالعالم الإسلامي ويعطي انطباعا بأنه بصدد بناء محور جديد يزيد الشقاق والخلافات بين دول العالم الإسلامي هنا تكون المشكلة والأزمة. يمكن لهذه الدول أن تبني في ما بينها أي تعاون تشاء ولكن لا يحق لها أن تتحدث باسم العالم الإسلامي. من أعطى هذه الدول الحق أن تناقش قضايا العالم الإسلامي، وهي قضايا معقدة وتحتاج إلى تعاون بين كافة الدول الإسلامية، أما ما يحاوله مهاتير فهو بناء محور في مقابل الدول الإسلامية الأخرى والذي لن يساعد على معالجة الأزمات وحل القضايا بقدر ما سوف يزيد من عمق الخلافات وتفاقمها.

الوحدة والتنسيق بين الدول الإسلامية هي الشرط الأساسي والجوهري لمعالجة الأزمات وهذا ما تجاهله مهاتير، ولكن حتى وإن تجاوزنا هذا الشرط فإن الرهان على هذه الدول من أجل معالجة القضايا المتفجرة في العالم الإسلامي يبقى متواضعا للغاية، فإذا ما أخذنا القضية الأساسية التي تجمع عليها الدول الإسلامية وهي القضية الفلسطينية بالرغم من أن هذه المجموعة استثنت المملكة المغربية وهي التي ترأس لجنة القدس بقرار من منظمة المؤتمر الإسلامي، ومع ذلك دعنا نتجاهل هذا الخطأ الفادح، ونرى ما يمكن أن تقوم به هذه الدول، لعل المطلوب من بعض الدول المشاركة أن تتوقف عن المتاجرة بالقضية الفلسطينية وأن تقوم بإجراءات واقعية تثبت ما تصرح عنه في خطابات مسؤوليها، لعل المطلوب من هذه الدول أن توقف التعاون العسكري والاقتصادي مع الدولة العبرية وأن تقطع علاقاتها الدبلوماسية كما تطالب من الدول الأخرى.


قامت الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية بوضع إطار واتفاق على رؤية موحدة لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي ولحل القضية الفلسطينية عبر المبادرة العربية التي أعلن عنها المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز. هل تستطيع هذه الدول أن توجد رؤية بديلة أو أن تفعل ما هو أكثر من ذلك وتجعل الدول الإسلامية تجمع على موقفها. نأمل أن يتم ذلك وإن كنا لا نتوقعه.

القضية الأخرى التي لا تقل أهمية وهي التدخلات الإيرانية في المنطقة وتهديدها لأمن واستقرار الدول العربية المجاورة وإنشاؤها مليشيات إرهابية حيث تقوم طهران بتدريبها وتسليحها وجعلها أداة تهدد من خلالها النسيج الاجتماعي العربي، وهذا لا يمثل قراءة سياسية لدى بعض الدول الإسلامية بل هذا هو واقع الحال الذي ثار عليه اللبنانيون والعراقيون ويدفعون ثمن استعادة استقلالهم الوطني شهداء ضحوا بدمائهم في سبيل الخلاص من إيران وميليشياتها وما زال الصراع مستمرا بين هذه الشعوب ونظام الملالي، فإذا كانت هذه الأطراف سوف تضغط على نظام الملالي للتوقف عن سياساته فنحن أول المؤيدين لها ولكن كيف تفعل وقد عبر أردوغان وهو المشارك في هذا الاجتماع عن تبنيه للرؤية الإيرانية وطعن الشعب العراقي وشقيقه اللبناني بالظهر، وكان قد فعل ذلك من قبل مع الشعب السوري عندما بنى تفاهما وتحالفا مع إيران على الأرض السورية.

ولعل القضية التي تمثل أس الأزمات التي تعصف بالعالم الإسلامي هي التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، فهل يمكن أن تضع هذه الدول المجتمعة حدا لهذه التدخلات وأن تقنع الجانب التركي التوقف عن سياسته الخرقاء التي جعلت من أنقرة طرفا في معظم الصراعات الداخلية التي تضرب دول المنطقة منها دعم أردوغان لأحزاب وميليشيات في ليبيا واحتضانه لجماعة الأخوان المسلمين التي لديها مشكلات جمة مع دول ومجتمعات المنطقة برمتها. تلك السياسة أصبحت تنافس الدور الإيراني في المنطقة، من بناء القواعد العسكرية في القرن الإفريقي إلى اجتياح شمال شرق سوريا مرورا بدعم الإخوان في مصر ودعم الميليشيات في ليبيا فإن تركيا تمثل جزءا أصيلا من مشكلات المنطقة فكيف يمكن أن تكون جزءا من الحل. إذا كانت هذه القمة المصغرة تستطيع أن تضع حدا لتلك السياسات فنحن أول من يؤيد هذا الاجتماع ولكن هيهات فمن يعتبر نفسه خليفة وزعيما من الصعب أن يغير من رؤاه التي باتت تمثل عبئا على بلاده وعلى العالم الإسلامي برمته.

رفض الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة في مسجد ضرار باعتبار أنه يشق الصف، مع أن بناء مسجد يعتبر من حيث المبدأ أمرا محمودا ولكن السياق والأهداف جعله وسيلة هدم لا بناء، والأمر ينطبق على قمة مهاتير التي تريد أن تشق عصا المسلمين وتذهب بريحهم. إذا ما أرادت هذه الدول دعم العالم الإسلامي فعليها أن تكون عنصر وحدة لا تفرقة وأن تغير السياسات التي تنتهجها بعض الدول المشاركة، عند ذاك سوف نكون أول المؤيدين لها والداعمين لخطواتها.

* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط

ramialkhalife@