-A +A
محمد مفتي
نشأت فكرة مجلس الشورى منذ بداية تكوينه ليكون منبراً معبراً عن الفئات المختلفة التي يتألف منها المجتمع، كالأطباء والمحامين والقطاع الخاص والمرأة وغيرهم، بحيث تتولى كل فئة طرح هموم وقضايا الفئة التي تمثلها دونما تحيز، وبعد عرض هذه القضايا على المجلس يتم اتخاذ التوصية الملائمة من قبل أعضائه بعد دراسة كل أطروحة من قبل لجان متخصصة داخل المجلس، ومن ضمن أعضاء مجلس الشورى مجموعة من الأكاديميين الذين تم اختيارهم من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات السعودية، وبطبيعة الحال فإن هذه الفئة ستكون الأكثر حرصاً على طرح جميع القضايا التي تهم المجتمع الأكاديمي.

وقد تناولت بعض المواقع الإعلامية مؤخراً إحدى القضايا التي طالما مثلت هاجساً مهماً لدى أعضاء هيئة التدريس، وهي السماح لهم بمزاولة المهن الحرة جنباً إلى جنب التدريس بالجامعات، وهو أمر مسموح به في الكثير من دول العالم ولا غبار عليه، وسبب اهتمام أعضاء هيئة التدريس بذلك الأمر قد لا يكون مادياً بالدرجة الأولى، ولكن لأن مزاولة المهنة ستساعدهم على سد الفجوة بين الجانب النظري والجانب التطبيقي، وقد تناولت منذ سنوات في مقالين «تفعيل مهنة المحاماة» و«التعليم العالي وهموم الأكاديميين» ضرورة الاهتمام بفتح المجال أمام الأكاديميين والسماح لهم بممارسة تخصصاتهم عملياً.


قد يعتقد البعض أن قيام أعضاء هيئة التدريس بممارسة المهنة من خلال فتح مكاتب استشارية سيؤدي لانشغالهم عن مهامهم الأساسية، ولكن العكس هو الصحيح، فمزاولة المهنة ستسهم في تدعيم قدرات أعضاء هيئة التدريس العملية والتي ستنعكس بلا شك إيجابياً على التحصيل العلمي للطالب، والذي كان -ولا يزال- يعتمد في كثير من الأحيان على الجانب النظري والبحثي فقط، باستثناء أعضاء هيئة التدريس الأطباء والذين يحق لهم حالياً مزاولة المهنة سواء في المستشفيات الجامعية أو حتى الخاصة، ولتوضيح أهمية ذلك فلنفترض عدم ممارسة الأطباء لتخصصاتهم عملياً، كيف سينعكس ذلك على الأداء العلمي لطلاب كليات الطب، وكيف سيتسبب ذلك في حدوث خلل في المنظومة الطبية، وفي إيصال تجربة علمية منقوصة للطلاب، وفي منع عضو هيئة التدريس من متابعة أحدث المستجدات على أرض الواقع.

ما ينطبق على مهنة الطب ينطبق على الكثير من المهن الحرة الأخرى كالهندسة والمحاماة والمحاسبة ومهن العلوم الطبيعية وغيرها، فعلى سبيل المثال عندما يمارس أستاذ القانون مهنة المحاماة جنباً إلى جنب مع تدريسه مواد القانون للطلاب بالجامعة، فإنه بلا شك سيكون قادراً على منح الطلاب تجربة متكاملة من الوقائع الحية والأحكام القضائية والإجراءات القانونية والتي تعكس أحدث المستجدات بالواقع الراهن، من المعروف أن مؤشرات الأداء الأكاديمي العالمية، المعنية بتقييم أداء الجامعات ومخرجاتها تعتمد في جوهرها على تقييم أعضاء هيئة التدريس أنفسهم، وذلك من خلال تقييم أدائهم البحثي وممارساتهم العملية معاً، وهما عنصرا تقييم مكملان لبعضهما البعض، لأن تأثيرهما معاً سينعكس بالضرورة على التحصيل العلمي للطلاب.

لعله من المؤسف أنه نتيجةً لمنع أساتذة الجامعات من مزاولة المهن التي يقومون بتدريس شقها النظري في الجامعات، فإن عدداً منهم يضطر للتقاعد المبكر وفتح مكاتب متخصصة لمزاولة المهنة، ربما للرغبة الجامحة في تطبيق ما يقومون بتدريسه نظرياً على أرض الواقع، أكثر منه رغبة في جني الأرباح، وهو بالتأكيد سيتسبب في فقد الجامعات للكوادر العلمية كما يتسبب في حرمان الطلاب من الكفاءات العلمية البارزة، نتمنى أن تتم مناقشة هذه القضية المهمة في مجلس الشورى، كما نتمنى إنصاف أعضاء هيئة التدريس بما يعود بالنفع على الطلاب وعلى سوق العمل وعلى منظومة التعليم العالي ككل.

* كاتب سعودي