-A +A
حمود أبو طالب
من يظن أنه بهزّ وزعزعة معاقل الفساد الكبيرة ومحاصرة من كانوا يقتعدون عروشها نكون قد انتهينا من المعركة وكسبناها فإنه واهم. صحيح أن انتفاضة «الريتز» كانت حدثاً تأريخياً لم يتوقعه أكثر المتفائلين لكنه لا يمثل سوى رأس جبل جليد الفساد الرابض على صدر الوطن لزمن طويل، فهناك مستويات تتخفى تحت قمة الجبل هي الأخطر والأشرس والأشد فتكاً لأنها منظومة متماسكة مترابطة متجذرة وواسعة الانتشار والتغلغل في مفاصل الأجهزة وتمتص مقدرات الوطن بشكل ممنهج، فإذا كان المسؤول الكبير الفاسد يكتفي بـ«هبشات» متفرقة بين وقت وآخر حتى لو كانت ضخمة فإن المنظومة الأدنى لديها صنابير لا تتوقف عن استنزاف المال العام.

لقد وجه الملك سلمان مؤخراً بتشكيل لجنة إشرافية لمكافحة الفساد برئاسة رئيس الهيئة الجديد وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق ومدير عام المباحث الإدارية، ويؤكد هذا التوجيه أن القيادة ماضية في مكافحة الفساد بقوة ودون تردد أو مجاملة أو محاباة أو استثناء، كما تضمن التوجيه رفع التقارير أولاً بأول للمقام السامي دون تأخير، ما يعني أن البت في قضايا الفساد المالي والإداري سيكون حاسماً وغير مسموح لمستويات أدنى أن تتلاعب وتتهاون في ملفاته. كما يؤكد التوجيه الجديد بأن عاصفة الريتز لم تكن عابرة ومؤقتة لامتصاص شحنات الغضب المتراكمة إزاء فساد طبقة معينة وإنما مشروعاً وطنياً مستمراً لوضع الأمور في نصابها وإيقاف مسلسل طويل في غاية البشاعة.


إن تفعيل مبادئ وقيم الشفافية والنزاهة ومن أين لك هذا هو الطريق الصحيح الوحيد الذي يجب أن يمضي فيه أي وطن يريد الخير لمواطنه، ومثلما أنه لا يصح ترك كبار الفاسدين فإنه أيضاً لا يجب التغافل عن القاعدة الواسعة للفساد التي تقبع تحت الرؤوس الكبيرة وتحتمي بها وتمارس كل الجرائم خلفها.

إذا كان فندق الريتز ذو النجوم السبع قد استضاف الكبار فنحن بحاجة إلى فنادق كثيرة بنجوم أقل في بقية الأماكن، ولكل مقام في الفساد نجومه المناسبة له.

* كاتب سعودي