-A +A
سطام بن هدباء
‏عندما كنت طالباً بالمرحلة المتوسطة كانت قصيدة الأديب غازي القصيبي «أتيت أرقب ميعادي مع القمر» من ضمن المنهج الدراسي في مقرر الأدب، ولتعلقي بقصائد القصيبي، صادف يوما أن أبديت للأستاذ محبتي للقصيبي؛ فقوبلت بامتعاضٍ منه، وعلل ذلك بإخباري أنه علماني وكاره للدين الإسلامي وأنه في إحدى قصائده يطلب من المرأة أن تلقي حجابها «حسب رأيه»

‏منذ ذلك اليوم كرهت الدكتور غازي رحمه الله ليس لأني سلّمت عقلي لرجل من العامة بل لرجل كاد أن يكون رسولاً، رجل يمثل المؤسسة التعليمية في وطني!


‏استمرت هذه الحالة حتى تجاوزت المرحلة الثانوية فتمردت قليلاً لكي أعرف هذا العدو جيداً؛ فوجدته بسيطاً، عاقلاً، يحب الحياة، لا يعرف الأنا، وعلمت فيما بعد أنه احتاج إلى لجنة وزارية مكونة من وزير العدل ووزير المعارف ووزير الحج والأوقاف للموافقة على ديوانه الشعري «معركة بلا راية».

‏هكذا كانت الأوضاع صراعاً بين من يحب الحياة ومن يكرهها وفي خضم تلك المعارك كرهت «تركي الدخيل» ليس لأنه سيّئ بل لأنني كنت بالقرب مِن كارهي الحياة، لكنني كنت مدفوعاً بحب المعرفة والاطلاع والتمرّد الفكري أحياناً فحاولت التعرف على أعدائي جيداً..

‏من هو «تركي الدخيل» ؟ ولماذا أكرهه؟

‏تابعت أعماله بدقة فوجدته محباً للحقيقة، متّصفاً بالوضوح، متّسماً بالمصداقية، مرتبطاً بالحياة البسيطة، تديّن ولم يتطرف، أضاء فكر العالم العربي ببرامجه وضيوفه، وتكونت لدي رسالته النبيلة، ثم اطّلعت على بعض تفاصيل حياته فوجدت تشابه البيئة التي احتضنت تركي بالبيئة التي عشت بها، فولّد ذلك لدي نوعاً من الانتماء، والإحساس بحقيقة التحديات التي واجهته ولم يستسلم لها، فلم ينجرف وراء تيار التشدد الذي كان يتبعه الأغلبية في بيئته، إلى جانب ذلك تبين أن والدته قد أحاطته بنظام تربية مماثل تماماً لنظام والدتي الذي كان معتمداً على خلق سياج تربوي يحيط بتصرفاتي وانفعالاتي وعلاقاتي، الأمر الذي زاد من فهمي لعمق التجربة التي خاضها تركي الدخيل، وكان كل ذلك نتيجة للاطلاع والتقصي والرغبة في تتبع الحقائق، والخروج بمعرفة غير خاضعة لسلطة الآخرين، حتى توصلت بشكل واضح إلى قبول الطرف الآخر، وحبِّ الحياة كما يفعل.

‏مر زمن حتى رأيته في معرض أبوظبي للكتاب يقدّم كتابه «التسامح زينة الدنيا والدين» يسلّم بتواضع، يبتسم بسعادة، طلبت منه تكرماً توقيع نسختي من كتابه، وقلت له إنني أحبه بعد أن كنت أكرهه، فأجابني بابتسامه: «هل يعرف التسامح الكره أجيبك بثقة لا».

‏كأنه يطلب مني أن أسامح كل من كانوا يسيئون إليه، ولكن أين هم؟ أين اختفوا؟ لماذا لا نراهم في أوقات السعادة والتسامح؟

‏شكراً أبا عبدالله علمتني أن أصدقاء الحياة متسامحون لا يكرهون أبداً.

* كاتب سعودي