-A +A
السيد محمد علي الحسيني
إن الخطوات الشجاعة والجريئة التي تحطم جدران الكبرياء المصطنعة التي تخلقها النفس في حالات الوقوع في خطأ أو أخطاء متعددة، انتصار لحق أو حقيقة دامغة للجم النفس عن جنوحها وإيقافها عن حدها، هي خطوات لا يملك الإنسان إلا أن يبجلها وينظر إليها بعين الاحترام والتقدير، وإن الاعتراف النوعي والهام جدا للداعية الشيخ عائض القرني والذي قدمه من خلال اعتذاره للشعب السعودي عن «الأخطاء التي خالفت الكتاب والسنة، وخالفت سماحة الإسلام، وخالفت الدين الوسطي المعتدل الذي نزل رحمة للعالمين»، هي في الحقيقة تجسيد لنهج الأصالة والمعاصرة في الإسلام من حيث وسطيته وسماحته وتيسيره وانفتاحه ورفضه للتقوقع على نفسه والانغلاق على مجموعة رؤى وأفكار محددة واعتبارها هي الأساس، فالإسلام فضاء کبير لا قرار ولا حدود له وقد حوى وسوف يحوي ملايين الأفكار والرؤى والتوجهات، وإن دينا له مثل هذه القدرة الفائقة يجب علينا الانتباه جيدا إلى أنه يعود لكونه دينا وسطيا مبنيا على الاعتدال والتيسير والقبول بالآخر واحترامه، وکيف لا وقد قال تعالى في کتابه الکريم: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، وهو القائل عز وجل: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير»، ودين يمتلك خطابا اعتداليا كهذا، يتسم بالحكمة والتسامح، لايمكن أبدا أن يقبل التطرف والغلو والانغلاق ورفض الآخر.

هذا الموقف الشجاع للداعية القرني، والذي لاقى ترحيبا واسع النطاق، استوقفنا وجعلنا ننظر ونتأمل بشيء من العمق المصحوب برؤية في الجانب الشيعي من عالمنا الإسلامي، وضرورة أن تكون هناك عملية مراجعة متأنية لما يطرح اليوم من أفكار وبحوث ورٶى وتوجهات متباينة من أجل العمل بها وأخذها کمسلمات في الحياة اليومية، ولعل من أهم وأکثر وجهات النظر خطرا وخطأ في نفس الوقت، هو زرع اعتقاد بين أوساط الشيعة أن التطرف والإرهاب مرتبطان بالجانب السني من عالمنا الإسلامي بما يوحي بتبرئة کاملة للوسط الشيعي من أي تطرف وإرهاب، وفي ذلك خطأ کبير لابد من الانتباه إليه وضرورة تصحيحه والعمل على تنوير المسلمين الشيعة، کي لا ينجرفوا في خطأ تم ارتكابه من قبل من توهم بتصور اعتقده الصواب وهو الخطأ بعينه.


قبل کل شيء، لا بد من القول إن التطرف حالة ووضع سائد في مختلف المجتمعات والأحزاب والجماعات ولاسيما من حيث التعصب للآراء والقناعات، وعلى إلغاء الآخر ونفيه، والتعامل معه بتشدد وحدة فكرية أو سلوكية، ليس بالنهج الجديد، ولا يختص بفترة زمنية دون أخرى، ولا بمجموعة بشرية معينة، بل هو ظاهرة بشرية طبيعية موجودة منذ وجد الإنسان، وستظل موجودة ما دامت الحياة البشرية؛ لأنه يتعلق بطبائع البشر وميولهم ونفسياتهم وهذا ما يفسر التصنيفات الشائعة سياسيا داخل كل جماعة أو حزب، من متشددين ومعتدلين، صقور وحمائم، محافظين وإصلاحيين. وإذا فشل أي حزب أو جماعة في احتواء وجهات النظر الداخلية المتباينة، ولم تستطع هذه الأطراف التعايش مع بعضها البعض، فإن ذلك يفضي في كثير من الأحيان إلى انشقاقات وانقسامات.

ومن هنا ليس من الصحيح إطلاقا جعل الشيعة استثناءً من هذه القاعدة ولصق التطرف والإرهاب في الدين الإسلامي بالسنة فقط، بل من المهم جدا الإشارة إلى ذلك وتصحيحه وتبيانه، وإننا ندعو من هنا لكي يبادر العلماء الأجلاء، خصوصا حوزتي النجف وقم، لكي يعيدوا النظر في الكثير من الأمور والمفاهيم التي تساعد على تغذية ونمو واستمرار التطرف والانغلاق ودفعه باتجاه يسيطر على العقول ويوقفها عند حد وناصية معينة وإن البقاء على حالة من هذا النوع وعدم تطورها ومعاصرتها تقود إلى التطور والغلو، وإن الغلو الديني والتطرف هو المصدر الرئيسي لتمزيق النسيج الاجتماعي وتكريس آليات التطرف عبر التاريخ، فظاهرة التطرف ظاهرة سلبية تجثم على صدر المجتمعات الإنسانية قديما وحديثا، ويبرز من بين مظاهرها المختلفة «التطرف الديني» الذي يقترن بالغلو والتشدد في الخطاب، وما يرتبط بذلك من لجوء إلى العنف، ورفض المختلف إلى حد قد يصل إلى تكفيره، بل ومحاولة إقصائه بشكل كلي.

إننا عندما ننظر لتنظيمات متطرفة لدى السنة نظير القاعدة وداعش وغيرهما حيث إنها إضافة لانغلاقها الديني فهي منغلقة طائفيا أيضا، وقد انطلقت وتأسست جميعها على أسس ومرتكزات تم استقاؤها من مصادر ومن مراجع دينية والأخيرة «أي المصادر والمراجع الدينية» هي أساس المشكلة، فإن ذلك لا يعني أن الجانب الشيعي آمن منها، بل إن هناك أيضا ما يضاهيها ويشبهها، وإننا نرى ضرورة أن يکون هناك موقف من کتاب «عوائد الأيام» للشيخ أحمد النراقي حيث قاد لأحداث وتطورات وتداعيات سلبية على العديد من البلدان الإسلامية.

وإننا إذ نسمع آراء ودعوات تدعو لإعادة النظر والتمحيص في کتاب صحيح البخاري لدى إخواننا السنة، فإننا نجد من الضروري أيضا أن يبادر الشيعة لعملية مراجعة وتمحيص لکتاب «أصول الكافي» للكليني، خصوصا وأنه يثير أمورا وبدعا تدعو وتحث على التطرف والغلو، کما أنه من الضروري جدا أن يکون هناك رأي وموقف تجاه العديد من المسائل والقضايا الأخرى السلبية الموجودة عند الجانب الشيعي، خصوصا وأنه بالأمس القريب خرج علينا أحد مراجع الشيعة من إيران يدعو إلى نبش قبري كل من الخليفة الأول والثاني واستخراج ما بقي من جثتيهما ليدفنا في مكان آخر، لأنهما يدفنان حاليا في أرض مغتصبة حسب قوله ألا وهي أرض فدك، وهو رأي يشابهه الكثير والذي يجهر ببعضه أحيانا، فيما يتم إخفاء الآخر والتكتم عليه هذا إذا ما تذکرنا أن هناك مزارا لقاتل الخليفة الثاني عمر رضي الله عنه في مدينة شيراز حيث يتم التبرك به! وهذا برأينا منتهى الغلو والفتنة ولا بد من أن يکون هناك موقف من هذه الأمور ومواجهتها بصراحة وشفافية.

* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان.