-A +A
حمود أبو طالب
اختلفت كثير من شرائح المجتمع حول ما أسماه الدكتور عائض القرني بالاعتراف التأريخي الذي تمحور في اعتذاره عما فعلته مرحلة الصحوة بالمجتمع واستعداده لبدء مرحلة جديدة عنوانها الاعتدال والوسطية ابتداء من ليلة الاعتراف، ومن أسباب الاهتمام الشديد بما قاله الدكتور عائض أنه كان أحد صقور الصحوة وعرّابيها ومنظريها، وأننا لم نسمع من أحدهم سابقاً حتى مجرد التلميح بالاعتراف بأبسط أخطاء الصحوة ناهيكم عن الأخطاء الفادحة الكارثية التي جمّدت الدماء في شرايين المجتمع لأكثر من أربعة عقود.

شخصياً، أرى أنه لا طائل الآن من الخوض في تفاصيل ما قاله الدكتور عائض، هو قد اعترف والنيات لا يعلم بها إلا الله، لكن الأهم من اعترافه أو اعتراف غيره إذا حدث أنه غير ذي جدوى ولا طائل منه في هذه المرحلة، ومنح مثل هذه الاعترافات بالنيابة عن مرحلة الصحوة اهتماماً كثيراً مضيعة للوقت واستحضار لماضٍ يُفترض أنه انتهى وانطوى، ليس مجازاً بل حقيقة، بعد أن بدأنا مشروعاً جديداً مختلفاً لا علاقة له بالماضي، مشروع الرؤية الجديدة الذي يقوده شباب يمثلون نحو ٧٠%؜ من مجتمع المملكة، يريدون الانخراط الكامل في هذا المشروع والانطلاق بوطنهم ومجتمعهم إلى آفاق حضارية زاهية في العلم والثقافة والفكر والاقتصاد والتقنية والذكاء الاصطناعي وجراحات الروبوت والتعايش مع كل مجتمعات العالم من منطلق إنساني لا علاقة له بأزمات اختلاف الديانات والمذاهب والملل والنحل والأعراق. جيل لا يجب أن نشغله بمشاكل الماضي وأزماته وحمولاته الثقيلة التي شرخت المجتمع وأحدثت فيه جروحاً غائرة ليس من العدل إقحامه في خفاياها وحيثياتها وأسبابها وتفاصيلها المتعبة.


وهناك نقطتان مهمتان جديرتان بالإشارة؛ الأولى أن لكل جيل دوره في مرحلته وليس مطلوبا منه أن يتعداه بوهم استحقاقه الوصاية على بقية المراحل، ولذلك نقول للدكتور عائض وزملائه ليس مطلوبا منكم ولا أحد يريد أن تجهدوا أنفسكم ببدء مرحلة جديدة مختلفة سواء كان ذلك من باب التكفير عن مرحلة ماضية أو رغبة حقيقية في المشاركة في المرحلة الراهنة، الزمن تغير وقادة هذا الزمن لهم مواصفات مختلفة واحتياجات مختلفة لا تتوفر فيكم.

والنقطة الثانية أن موضوع أو مشروع الدعوة خارج النطاق الرسمي المؤسسي الذي كنتم تمارسونه لم تعد له حاجة مطلقا، هناك جهات رسمية عديدة تُعنى بالدعوة وإرشاد الناس بالطرق الرشيدة المعتدلة، وتراقب وتتابع وتصحح الأخطاء إذا حدثت وفق أنظمة الدولة وقوانينها، بمعنى أنه لم يعد مسموحاً نظامياً ولا مقبولاً اجتماعياً أن يجتهد أي شخص في أي شيء، حتى في الدعوة، خارج إطار ما تجيزه وتقره الدولة ويرتضيه المجتمع. باختصار، مشروع الدعوة الصحوي الذي كان قد لفظ أنفاسه رسمياً ومجتمعياً، وأي مشروع جديد تحت أي مسمى أو عنوان خارج إطار المؤسسة الرسمية غير مسموح به، نحن الآن في زمن ما بعد الصحوة وزمن ما بعد الشيخ عائض وفكره وفكر رموز مرحلته، فاتركوا المرحلة لأصحابها القادرين على تحمل مسؤوليتها باشتراطاتها واحتياجاتها ومواصفاتها. افتحوا يا شباب بوابة المستقبل وأغلقوا بوابة الماضي ولا تسمحوا لأحد بالتسلل منها.