-A +A
منى المالكي
الخطوة الذكية التي قامت بها الرياض وصولاً إلى بغداد ليس انتصارا سياسيا فقط، إنها الخطوة الحلم التي تحققت بعد 15 عاماً من الانتظار والكوابيس التي أحالت المنطقة إلى بركان مشتعل، هذا الوفد الوزاري رفيع المستوى بدأ في بذر الحقل السعودي العراقي، ذلك الحقل الذي عشنا فيه سنوات نزهو ببغداد وتفخر بغداد بنا.

العراق وما أدراك ما العراق! أعلم جيدا أن عراق الحضارة العربية، عراق الثقافة والأدب، فالعراق عراب الفكر العربي، وعلى الضفة الأخرى العراق سياسياً لا يقل عن ذلك أبدا وما صرخات خامنئي من رفض لهذا التقارب إلا دليل على بدايات وجع وألم فارسي صلف.


الحكاية تبدأ من الفتح العمري للعراق وهذا ما يجب على الجميع معرفته والتعامل معه، فالعقلية الفارسية ترى أنها الأفضل من عرب لا يملكون شيئا من حضارة أو تاريخ، وإذا بهؤلاء الأعراب يبنون حضارة إسلامية بمبادئ وقيم ومعتقدات تختلف كلياً عن عبادة كسرى وناره المشتعلة!

والصدمة أن كثيراً من أبناء تلك الحضارة الفارسية يساهمون في البناء والتشييد لحضارة عرب ومسلمين أتوا من جزيرة محكوم عليها بالتخلف!

هذه الصدمة لا زالت إيران تعيش مرارتها حتى الآن وما صراعاتها الدائمة على التوسع إلا ردم لذلك الإحساس بالألم القديم! من هنا يبدأ العمل، فكيف استطاع أسلافنا خلق حضارة موازية بهوية خاصة واستمالة أبناء الفرس للعمل على ذلك حتى أصبحوا جزءا أصيلا ومكونا ثقافيا مهما من مكونات الثقافة الإسلامية، هذا هو المفتاح الذهبي للاحتواء بل والتفوق أيضاً.

أما عراق العرب فهو يعيش مخاضا صعبا للعودة إلى محيطه الذي اشتاق كثيراً لشارع المتنبي، وقصائد الجواهري، وعاش في جيكور السياب زمناً، وبكى على استشهاد بلقيس في السفارة العراقية في بيروت في الثمانينات!

المحور الثقافي بدعم من الاقتصادي هما الجناحان اللذان سيشرعان بعودة بغداد إلى حضن العروبة الرياض، والوفد الوزاري الذي ضم الأمير بدر الفرحان وزير الثقافة السعودي دليل واضح وأكيد على ذكاء الدبلوماسية السعودية في فتح المسالك كلها للعودة المنتظرة القريبة، أيضاً مشاركة المثقفين والمثقفات السعوديات لفعاليات معرض بغداد الدولي للكتاب مؤشر إيجابي على فرحة الثقافة العراقية بهذا الحضور الذي نقله لنا مثقفو بلادنا.

يقول الجواهري شاعر العراق العظيم في قصيدته «دمعة على بغداد»

خذي نفس الصبا بغداد اني ..... بعثت لك الهوى عرضا وطولا

ذكرت نميرها فذكرت شعرا ..... (لاحمد) كان لطفا ان يسيلا

وردنا ماء دجلة خير ماء ..... وزرنا أشرف الشجر النخيلا

واليوم جاء الوقت لمسح تلك الدموع وكتابة صفحة جديدة من التاريخ للرياض فيها الكلمة الفصل.

* كاتبة سعودية

monaalmaliki@