-A +A
علي محمد الرابغي
السبعون والثمانون عقبات عند كثيرين من شعراء اللغة العربية.. يأتي في سياق هذا الزعم خالد الفيصل في آخر نتاج فكري وأدبي وشعري.. وفي جرأة عجيبة لم يوافقه فيها أحد من أقرانه.. وهكذا هي سياسة خالد الفيصل أو لنقل نظرته للحياة وما أكسبته الأيام من خلال التجارب.. الأمر الذي جعله يحسن التعامل مع الزمن ويرحب بمرور السنين، فهي رصيده الذي اكتسبه من خلال العمر الطويل (زاده الله حياةً وامتداداً وشموخاً).. تلك هي سمات (أبو بندر).

وما بين السبعين والثمانين مواقف وانطباعات تفاوت في معناها الأدبي والشعري عبر السنين.. ففي السبعين قال خالد الفيصل:


بعثرتْ لحظات عمري ما درت

إنِّي أجمِّع بعدها لحظاتها

*****

فلسفَتْ نظراتي أطياف العجب

كل يومٍ لون في شوفاتها

*****

وبالغتْ في وجهي رْسوم الزَّمان

وغيَّرتْ ملامحي لمساتها

وفي الثمانين قال:

يا مرحبا بك يا ثمانين عمري

لو ما هقيت إني أشوفك وأنا حي

تناسلت شعرات الاَيام تجري

وابيضَّت السُّودا على ضامي الري

الشمس تمضي، واْنجم الليل تسري

وكل شيٍّ صار في عينيْ شْوَي

أبحث عن اللي يرفع الراس واشري

ما اْشغلتْ نفسي بالملذات والغي

تقف سن الثمانين في منحنى خطر لدى غالبية الشعراء منذ العصور الجاهلية ابتداءً من شاعرها الحكيم زهير بن أبي سلمى صاحب المعلقة الشهيرة التي يقول فيها: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولاً لا أبا لك يسأمِ... ومروراً بقول الشاعر الآخر: إنَّ الثمانين وبلّغتها... قد أحوجت سمعي إلى ترجمانِ... وانتهاءً بعجز البيت القائل: قالوا ماذا تشتكي قلت الثمانينا. ونمضي مع الأيام نقلب في دفاتر الشعراء، ولا تزال الثمانون تشكل الهاجس الكبير والمنعطف الهام في حس الشعراء ومخيلتهم، وهذه الكلمات بمثابة المندوحة لمن يريد أن يدلي بدلوه في إضفاء جديد حول مضمار الثمانين التي يشكوها الشعراء وتؤرقهم كلما شارفوا على زمانها، وهذه الثمانون التي يشيب فيها الرأس ويشيخ فيها الشباب وتضمحل فيها القوى وتتساقط خلالها أوراق العمر ورقة تلو الأخرى مؤذنةً بدنو الأجل، أطال الله في عمر شاعرنا وفي أعمار كل الشعراء العرب والمسلمين.

ونقف لحظات مع النظرات المتفاوتة بين غازي القصيبي شاعرنا الكبير وتجسيده لهذه المعاني إذ يقول:

جاءتك حاسرةَ الأنيابِ.. كالحَةً

كأنَّما هي وجهٌ سَلَّهُ الأجلُ

أوَّاه! سيدتي السبعونَ! معذرةً

إذا التقينا ولم يعصفْ بيَ الجَذَلُ

قد كنتُ أحسبُ أنَّ الدربَ منقطعٌ

وأنَّني قبلَ لقيانا سأرتحلُ

لعل غازي القصيبي وكان اليأس قد أخذ منه كل مأخذ متندم على الشباب وعلى فقد الأصحاب، لكنه كان ممتلئ النفس بالإيمان راضياً بقضاء الله ممتثلاً لمشيئته:

تباركَ اللهُ! قد شاءتْ إرادتُهُ

ليَ البقاءَ.. فهذا العبدُ ممتثلُ!

واللهُ يعلمُ ما يلقى.. وفي يدِه

أودعتُ نفسي.. وفيه وحدَه الأملُ

ويختلف عن القصيبي الدكتور وجيه البارودي شاعر حماة الذي كان له نهج آخر، فقد شعر أنه لما بلغ السبعين وهو صحيح معافى أنه بهذا قهر الزمن وتحداه بما امتلك من صحة ونشاط، فجاء في قصيدته التي ألقاها بهذه المناسبة:

تقادم العهد لا يسري علي كما

يسري على الناس إني قاهر زمني

فكان علماني المعتقد بعيداً عن فهم المنهج الإسلامي بأن الله تعالى قد حدد الأعمار؛ بل إنه تعالى قد حدد لكل جنس من مخلوقاته سنين من العمر لا يتعدونها إلا نادراً.

خالد الفيصل وصداقته مع الأيام:

كما هي العادة يأبى خالد الفيصل إلا أن يكون (غير) في نهجه وفي تعامله مع الأيام وفي نظرته لطول العمر.. فهو يفلسف ذلك بمعانٍ عميقة.. يختلف فيها عن كثير من أنداده.. وفي قصيدته عن الثمانين.. تبرز أهم ملامح شخصية شاعرنا الكبير.. وقد وقف على تلة الأيام يستعرض مرارة وحلاوة الأيام.. وتلك سمات امتاز فيها خالد الفيصل إذ جسد الأيام وتداولها مع ما اختزل من تجارب.. من خلال تعامله مع الحياة.. عندما كان مديراً لرعاية الشباب وعندما غادرها إلى عسير ليكون أميرها ومن ثم تقلد شرف خدمة مكة المكرمة بمختلف مدنها وقراها.. ثم انتقل إلى مرتبة وزير للمعارف.. ولم يلبث طويلاً حتى عاد واستقر به المقام أميراً لمنطقة مكة المكرمة.. وهكذا والمتابع لحياة خالد الفيصل يجد فيها السهل الممتنع.. وكان بودي أن أسهب ولكن ضيق المساحة جعلني أتوقف.. ولعلي أعود مرة أخرى إن شاء الله.. وحسبي الله ونعم الوكيل.

* كاتب سعودي

alialrabghi9@gmail.com