-A +A
حسين شبكشي
في لقاء تلفزيوني منذ أيام ليست بالبعيدة، صرحت الدكتورة خولة الكريع، العالمة السعودية المتخصصة في أبحاث مرض السرطان، أن ماء زمزم بسبب خصائص تركيبه يسبب ضررا لمرضى السرطان. وانفتح عليها سيل لا يتوقف من الاعتراض وسوء الأدب والتعرض العنيف والخارج عن اللياقة والأدب بحق شخصها الكريم، وصلت إلى درجة تخوينها والتشكيك في دينها وسلامة إيمانها. الدكتورة خولة الكريع واجهة وقامة وطنية مشرقة، أثبتت علو كعبها الأكاديمي والمهني في الخارج والداخل، وحصلت على أهم الشهادات من أرقى الجامعات، وكرمت من العديد من المراكز والهيئات العالمية المرموقة، ونالت العديد من الأوسمة والدروع. ولعل أبرز محطات التكريم كان حصولها على أعلى وسام في السعودية من يدي ملك البلاد شخصيا. نالت ثقة ولي العهد باختيارها كعضو في مجلس الشورى، وكانت دوما ما يتم اختيارها في الوفود الرسمية التي تمثل البلاد كواجهة مشرقة لها. تعلق السعوديون بسيرتها الشخصية، وضحكوا وبكوا معها في محطات عمرها الثرية، وهي توثق حياتها خلال برنامج «من الصفر» الشهير الذي يقدمه العزيز مفيد النويصر. وبالتالي مسيرة الدكتورة خولة الكريع تتحدث عن نفسها وليست بحاجة لأي أحد أن يزكيها أو يضيف عليها، ولكن الإهانة والتجريح التي تعرضت له الدكتورة بشكل قبيح وممنهج يحتاج إلى وقفة. كل ما دعت إليه الدكتورة هو تقديم الأدلة العلمية التي توثق بالبرهان أن ماء زمزم مفيد ولا يؤذي مريض السرطان، هي لم تنف أن ماء زمزم ماء مبارك، ولم تنف ورود ذلك في الحديث النبوي الشريف، ولكنها توضح أن تركيبة مياه زمزم تحديدا في حالة مريض السرطان هي ضارة له. وهذا يذكرني بعالم دين توفي منذ سنوات وكان مصابا بمرض السكر، وأصيب بوعكة صحية وأصر عليه بعض طلبته بتناول التمور لما فيها من بركة وحصل ذلك، وكانت نتيجة هذا الأمر وفاة الرجل بسبب «غيبوبة سكر» جراء تناول سكريات بكميات «غير مسؤولة»، وهذا يذكرني بقول الله تعالى في القرآن الكريم وهو يصف العسل ويقول «فيه شفاء للناس» ولم يقل فيه الشفاء، بل شفاء وليس كل الشفاء، لأنه حتى العسل ممكن أن يكون قاتلا إذا تم تناوله لمرضى السكر مثلا في حالات معينة. هناك فرق كبير بين المحاججة بالأدلة العلمية والدفاع بالعواطف، دفاع لا وسيلة فيه إلا السب والتجريح، تسقط معه كل الحجج إن وجدت مهما كانت قوية. هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وقبل كل ذلك كان المديح الأعظم لسيد الخلق هو بوصفه «إنك لعلى خلق عظيم»، الأدب قبل العلم، والعلم يرفع صاحبه. أدافع بهذه الكلمات عن مقام الدكتورة خولة الكريع وعن علمها وأدبها، وأحزن لحال التردي في الحوار وغياب الأدب وندرة الأخلاق. الشجرة المثمرة تظل تقذف بالحجارة، فهذه شهادة نجاح في حقها، والمجتمعات السوية هي التي ترفع من شأن قدواتها وتتأدب معها.

* كاتب سعودي