-A +A
محمد الساعد
تبعد مدينة البصرة نحو 90 كلم عن أول منفذ حدودي بين العراق وإيران، وعن أقرب مدينة إيرانية 100 كلم، وتعد البصرة - ضمن التعريف السياسي والديموغرافي الذي نتج أعقاب الغزو الأمريكي للعراق العام 2003 - أكثر مدينة ترزح تحت النفوذ الإيراني، لدرجة أنها تحولت بسبب الأحزاب الدينية والميليشيات الموالية لها إلى مجرد ضاحية إيرانية، بل إن اللغة الفارسية والعادات الإيرانية تكاد تكون طاغية في المشهد ومختفية معها عروبة المدينة ومجدها العراقي التليد.

يقول تقرير نشر في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 10 يوليو 2016 تحت عنوان «إيران احتلت البصرة عن طريق مؤسساتها وميليشياتها» ما نصه:


تعاني محافظة البصرة المنفذ المائي الوحيد في العراق، من احتلال إيراني لكل جوانب حياتها السياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية، حيث تنتشر مئات المراكز الثقافية والمدارس والمؤسسات التي تحمل مسمى «خيرية» في الظاهر لكسب التأييد، في حين تحكم الميليشيات المسلحة قبضتها على الشارع.

ولا يتكلف زائر عناء ليستوعب تجذر الاحتلال الإيراني للبصرة، فبالإضافة إلى انتشار «الفارسية»، تبرز صور تحمل صور الملالي، إلى جانب شوارع تحمل أسماء بعضهم وفقا للأهالي، الذين أوردوا أيضا أن هناك حملة تشيع تدفع إلى تهجير سكان المدينة الأصليين، ومن ثم استقطاب آخرين من قرى شيعية قريبة. «انتهى النص».

مع ذلك كله تعمدت إيران إهمال تلك المدينة الصابرة المحتسبة حتى تحولت إلى مردم للنفايات، أهلها مسحوقون يئنون من وطأة الاستبداد والفقر وقلة الحيلة وكثرة الجوعى وانعدام التنمية.

كل ذلك دفع البصريين «للكفر» بإيران وثقافتها وميليشياتها وكل ما يأتي منها، لدرجة أن المحتجين تعمدوا إحراق قنصليتها وإنزال علمها ورفع العلم العراقي مكانه، في رمزية تؤكد أن العراقيين أيقنوا أن ما تفعله إيران هو احتلال يرفضونه ولا يقبلون به.

يلح عليّ سؤال بعد كل ما شهدناه وسمعناه عن البصرة خلال الأسابيع الماضية، فمنذ العام 79 وإيران تحاول تصدير ثورتها للعالم العربي وإقناع العرب باستقبال مدها الثوري وتبني رأيها وفكرها السياسي، وعندما جاءتها الفرصة لتقديم نفسها بصورة «إنسانية حضارية» في العراق وبالأخص في البصرة نسيت كل كلامها الرخيص وتذكرت عنصريتها العجمية وشعوبيتها ضد عرب البصرة وأذاقتهم جراء ذلك سوء العذاب.

دعونا نستعرض تاريخ هذه المدينة العربية الخالصة لنعرف من أين أتى كل هذا الحقد الفارسي الأعمى وهذه البغضاء العابرة للحدود.

أسس البصرة الصحابي الجليل عتبة بن غزوان - رضي الله عنه -، وفِي ترجمته تقول المصادر: هو من السابقين إلى الإسلام، إذ كان سابع من أسلم من الصحابة، شارك في الفتوحات الإسلامية في العراق؛ حيث أرسله عمر بن الخطاب إلى «الأُبُلَّة» ليفتحها ويُخرج الفرس منها، ففتحها الله على يديه، وطهرها من الفرس، ليختطَّ مدينة البصرة ويؤسسها.

إذن رمزية البصرة تأتي من كونها أول مدينة يختطها عرب الصحراء في العراق، بعدما أتموا هدم وسحق الإمبراطورية الفارسية، ولذلك تحمل إيران للبصرة وأهلها كل تلك العداوة والكراهية وتعمل على قتلها وتهجير سكانها، وتريد استئصالها من الجسد العراقي وربما غيرت اسمها ذات يوم.

هل ما يفعله الإيرانيون مصادفة، بالتأكيد هو عمل ممنهج يمثل السياسة الإيرانية الحقيقية على الأرض وليس على قناة الجزيرة والعالم والميادين، القائمة على التهجير والتغيير الجغرافي والتاريخي والثقافي والفقهي، وتحويل الواقعين تحت سيطرتها لمجرد «عبيد» بلا هوية.

لننظر للبنان التي تسلل إليها التغول الإيراني بداية الثمانينات الميلادية، كيف تحولت بسبب حزب الله من سويسرا الشرق إلى أكبر مزبلة في تاريخ البشرية، دولة معاقة متجمدة لا حول لها ولا قوة إلا بعد أن تأتيها الإشارة من الضاحية الجنوبية في بيروت، وكيف قضت طهران على أمن ومستقبل اليمن وسورية وغزة، فما بالنا بالعراق الذي أُجبر أن يكون مجاورا لها، مجرد خيال دولة تموت وأنهر الماء والنفط تحت أقدام شعبها.

ما قامت به إيران في البصرة هو مثال بسيط لما ستقوم به في أي أرض عربية تقع تحت سيطرتها، فالقضية بالنسبة لها هي انتقام لمعركة القادسية الكبرى التي أسقطت كسرى انو شروان ومجد فارس، مهما تلبست بثياب الثورة وعودة «الإمام الغائب» والانتصار للمظلومية.

* كاتب سعودي