-A +A
أسامة يماني
في العقود الماضية خضع المجتمع السعودي لتعسف فظيع من أدعياء الدين، ولا توجد أسرة إلا وتعرض فرد من أفرادها لعدوان وإهانة وإذلال من هؤلاء.. لابد من تدوين كل الأحداث ونشرها لئلا يعود الاختناق مرة أخرى فليس أسهل من عودته.. لابد من إدانة تلك التصرفات وتوعية الناس لفظاعة تلك المطاردات والمضايقات والإذلال وكيف كانوا يبثون الرعب والفوضى في معارض الكتاب وفي كل المناسبات الثقافية وكيف اختطفوا التعليم، وحاربوا رجال القلم والإصلاح وحاولوا وأد المرأة وأداً حديثاً حيث تدفن معنوياً، فهي حبيسة الدار تكاد تكون عديمة الأهلية سلعة لمتعة الرجل وخدمته وقد جعلوا من المجتمع مجتمعاً ريعياً يعتمد على الغير، يكاد لا ينتج ويدعي الخصوصية والتميز. وعملوا على تجريم الفكر والقضاء على العقل، أرادوا كذلك أن يمنعوا الألوان والتنوع والفرح، حتى الأفراح منعوا الطرب والغناء فيها وحرموا المعازف وأشغلوا الجميع في متناقضات وتفاهات وجعلوا الحياة تدور حولهم وحول تصوراتهم للماضي العتيق الذي رسموه بفرشاتهم بعيدا عن الحقيقة، وعاش المجتمع حبيس ظلامهم في حين العالم من حولنا يتطور ونحن في جدال تجاوزته الأحداث.

فعلاً نجحوا في معظم وأغلب ما أرادوا حتى أنهم تمكنوا من التفريق بين الزوجين باسم عدم التكافؤ وباسم الفقه البشري القابل للخطأ والصواب. إن تصحيح الأخطاء ليس فقط في اعترافهم بالأخطاء الأليمة التي تسببت في إزهاق أرواح وسجن أبرياء وقتل الفرح والإساءة والمطاردات والضرب والتنكيل بالمخالف والتضييق عليه، وكل ذلك ممكن أن يعود سريعاً، إذا لم نوعِّ الناس بخطر هذا الفكر، كما يجب على كل مسؤول أن يدرك توجه ولي الأمر لإعادة الأمور لنصابها، فهؤلاء لا يعرفون الوسطية وهم لا يعرفون غير أن كل مخالف عدو يجب قتله أو سجنه وازدراؤه.


القبلية والطائفية وغير ذلك من ظواهر تسبب فيها الفكر التطرفي، وكانت نتاجا لهذه الثقافة المنغلقة التي حرصت على تحريم الألوان والتباين والاختلاف وازدراء كل غريب والإنقاص من شأن الغير حتى أصبح البعض ضحية لهذا الفكر ومنتجاته الكريهة.

لقد تركنا العالم لشأننا برهة طويلة من الزمن لمصالح اقتصادية ولرغبة في تفتيت المنطقة والاستيلاء على ثرواتها وحضارتها كما يحدث في العراق وسورية وليبيا والصومال؛ لأن انتشار هذا الفكر يجعل من البلاد والعباد فريسة سهلة لكل المتربصين.

التوعية ضرورية؛ فنحن اليوم وما يمر بمنطقتنا من احتراب وقتال ودماء وظلم واعتداءات ما هو إلا نتيجة طبيعية لهذه الأفكار التي قضت على التنوع وقبول الآخر، ونادت بالاسترخاء وعدم العمل، وحرصت على قتل ووأد المرأة معنوياً وجعل الأخلاق تدور فقط في حيّز الذكورية، وضاعت قيمة العمل والأمانة والصدق والعدل والإنصاف والمساواة والتسامح والإخاء، كما ضاعت قيمة العقل والفكر فحرمت الفلسفة وعلم المنطق حتى أصبحت العلوم التطبيقية لا قيمة ولا وزن لها أمام فكرهم المتطرف الذي لن ولم ينتج غير منتجات سيئة عديمة النفع كثيرة الضرر، خطيرة وسهلة لإعادة الانبعاث والظهور؛ لأن الأرضية خصبة ومازال كثير من الفكر معطلا والآليات التي تتصدى له ضعيفة وغير صلبة وتحتاج لمنهجية وسياسة مدروسة، ولا نقول إلا أن يبارك الله لنا في ملك الحزم والعزم، وولي عهده الأمين صاحب الرؤية والعزم، اللذين في عهدهما سيندحر وينهزم الإرهاب والتطرف، وندخل للعالم الجديد وليس الماضي الذي انقضى بكل حسناته ومساوئه.

* مستشار قانوني

osamayamani@

yamani.osama@gmail.com