-A +A
محمد بن سليمان الأحيدب
نشرت الصحف خبراً، أعتبره كمتخصص خبراً غريباً، مفاده أن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية قد اعتمدت بعض المستشفيات الخاصة والأهلية كمركز تدريب لمنح الزمالة، والغرابة في الخبر لها جوانب عديدة، نظراً لحساسية أمر الاعتماد لمنح الشهادات التدريبية التي تخول للحصول على الزمالة وإعطاء الطبيب درجة أعلى في مسيرته الطبية، لكن أهم صور الغرابة تأتي في أمرين هامين؛ الأمر الأول هو أن المستشفى الخاص أو الأهلي هو جهة تقدم خدمة علاجية بمقابل مادي، وليست جهة تعليمية، ولم تؤسس لتكون جهة تعليمية ولا تتبع لكلية طب فكيف يمكن لهذه الجهة التجارية الخاصة أن تُعتمد كجهة تدريب أو تعليم طبي، فالطبيب يأتي إليها ليعمل بمقابل، وفي نفس الوقت سيدفع لجهة الاعتماد مبلغاً كبيراً للحصول على الشهادة، وربما يدفع للمستشفى أيضاً لمنحه فرصة التدرب، خاصة حينما يزداد الإقبال على هذا المستشفى الأهلي الخاص من أجل الحصول على شهادة التدريب المعتمدة من هيئة التخصصات، ثم إن الأطباء الاستشاريين الذين سيعمل المتدرب تحت إشرافهم ليس لهم خاصية التعليم وليسوا مؤهلين للتعليم الأكاديمي الطبي، إلا إذا كانوا أساتذة جامعات (مزوغين) من المستشفيات الجامعية، وهذه سنأتي عليها لاحقاً. الفقرة أولاً كافية في حد ذاتها لتبرير غرابة اعتماد مستشفى أهلي لمنح شهادة تدريب طبية، وبالمناسبة هذه المستشفيات الخاصة من أكثر المستشفيات أخطاءً طبية واستغلالاً للمريض، فكيف تمنح الشهادة؟! وكيف تعتمد؟!.

الأمر الثاني والأهم جداً هو أن المستشفى الأهلي الخاص هو أكثر المستشفيات استخداماً للأطباء الحكوميين الذين يتركون مواقع عملهم الحكومي نهاراً جهاراً وفي وقت الدوام الرسمي ليعملوا في هذا المستشفى الخاص بطريقة غير نظامية ولا أخلاقية ولا مشروعة طبياً، وهو أكثر المستشفيات إغراءً للأطباء الحكوميين، وهو من يفتح عياداته لهم صباحاً وظهراً ليتركوا مرضاهم في المستشفيات الحكومية ويعملوا فيه في مخالفة واضحة تتنافى مع النظام ومع أخلاق المهنة مقابل المال، فكيف أثق به لمنح شهادة تدريب تحدد مستقبل الطبيب وترقياته في سلم هذه المهنة الإنسانية.


إذا كنا عجزنا عن التحكم في بقاء الأطباء الاستشاريين (ومنهم أساتذة الجامعات) في مواقع عملهم الحكومي وتوليهم تدريب طلابهم فإن هذا لا يعني أن نسمح للمستشفى الذي أفسدهم بمنح شهادة التدريب، فمثل هذه الشهادة يجب أن لا تعتمد إلا من المستشفيات الجامعية الحكومية المؤهلة أكاديمياً والمؤهلة تدريبياً والمحكومة بأنظمة ورقابة الجهات الرقابية، التي تحتوي على كل مقومات منح الشهادة الأكاديمية والتدريبية لأهداف سامية ليس من بينها الربح المادي.

مؤسف أنك حينما تعجز عن محاربة الفساد الطبي تشد الرحال إلى مواقع ممارسته والتشجيع عليه وتعتمدها كمراكز تدريب، ويا عجبي هل ستدرب على غير الفساد؟!.