-A +A
طارق فدعق
كلمة حجازية جميلة تطالب بالتهدئة، والعقلانية، وعدم الانفعال. وسبحان الله أن معظم العالم يعرفها بلغاته وثقافاته المختلفة، بل وينصح بها، ولكنها للأسف لا تمارس بالشكلين الكافي واللائق. من الطرائف أن هناك أمثلة تاريخية على تطبيقاتها غير المتوقعة، واخترت لكم التالي: حيث إن الموضوع مطلب للتهدئة و«تخفيض الحرارة» في عام 1742 فلنبدأ بعلم انتقال الحرارة، حيث كان عالم الفلك السويدي «أندرز سلسيوس» Celsius Anders هو أول من اقترح طريقة لقياس الحرارة بطريقة «مئوية» أي من خلال مئة درجة على المقياس ليبدأ من غليان المياه على درجة صفر إلى تجمده على درجة مائة تحت الضغط العياري. وكلمة «سنتي جريد» التي تستخدم مع هذا المقياس هي مكونة من الكلمتين اللاتينيتين «سنت» يعني مئة و«جرادوس» يعني درجة. ولكن المشكلة هنا هو أن المقترح كان بالمقلوب.. الغليان عند الصفر وتجمد الماء عند المئة درجة. وطبعا تعرض للنقد الشديد، وقيل له من المجتمع العلمي بما معناه «أهجد يا أندرز... وبلاش تهور». وتغير القياس لما نعرفه اليوم.

وعلى صعيد آخر، ننتقل إلى عالم الكيمياء فنجد السويسري «فريدريش شون باين» الذي كان مغرما بالتجارب لتطوير المتفجرات باستخدام خلطة خبيثة من الحوامض المركزة.. وكان يجري العديد من التجارب في منزله رغم اعتراض زوجته. وفي نهاية عام 1845 أثناء إجراء إحدى التجارب، انسكبت كمية بسيطة من محلول بعض من تلك الحوامض على أرض المطبخ في منزله، فقام بتجفيفها بفستان قطني قديم لزوجته، ثم غسله لإزالة الأثر، وضع الفستان بالقرب من الفرن الحار ليجففه. وكانت زوجته قد أنذرته بما معناه «أهجد يا فريدريش.. يا أبو الريش».. وبلاش التجارب في المطبخ. وكانت تلك الخلطة في مطبخ عالم الكيمياء بين الحوامض، والقطن، والحرارة خطيرة جدا وغير متوقعة.. اتحدت بطريقة جبارة ليدخل مفهوم البارود القطني Guncotton إلى تاريخ البشرية.. انفجرت الخلطة وفرقع المطبخ بالكامل، بل ونصف البيت.. وكان العالم السويسري من أوائل ممن مارسوا الطيران الحر في الهواء بسبب الانفجار.


ولو بحثت عن إمبراطور العلوم في التاريخ الحديث، من الصعب أن تجد من يتفوق على الأمريكي «لاينس بولينج» Linus Pauling الذي فاز بجائزة نوبل مرتين مختلفتين منفردا.. وهو الوحيد في التاريخ الذي حقق ذلك. وكان هذا العالم الفذ الذي سطع نجمه بدءا من الأربعينات الميلادية في القرن العشرين قد حقق العديد من الإنجازات في مجال الكيمياء من خلال مئات الأبحاث الإبداعية. وكان «لاينس» منغمسا في البحث عن تركيبة حمض النووي DNA، وهو جوهر تركيبة الشيفرة الوراثية لخلايانا. واستنتج أن التركيبة حلزونية الشكل مزدوجة بشكل ثلاثي تلف حول نفسها وتعود وتكرر نفس الشكل. وأصبح هذا الاكتشاف من أشهر الاكتشافات على يد أشهر العلماء آنذاك. ولكن كانت هناك مشكلة أنه كان غلطان.. التركيبة كانت حلزونية مزدوجة ثنائية وليست ثلاثية. وقيل له «أهجد يا لاينس»؛ لأن بعض الشباب في جامعة كامبريدج في إنجلترا قد اكتشفوا الحقيقة. وتحديدا فقد قام «واطسون» و«كريك» باكتشاف الشكل الصحيح.. «جبهــــــــة».. وكان رده أن لا يمكن أن ينافسه شباب صغار وهو لانس بولينج بكبره.

أمنيـــــة

هناك الملايين من القصص التاريخية في جميع المجالات على حالات تتطلب أن تكون توجهات «أهجد» واضحة وصريحة. أتمنى أن ندرك هذه الحقائق عن العلماء المتميزين، فما بالك عند ذوي العقول المتواضعة والنفوذ القوي كما نرى في بعض الدول المجاورة والذين لا يعترفون بهذه الكلمة.. وأما بالنسبة لي فاسمحوا لي أن أنهي المقال؛ لأنني أكاد أسمع رئيس التحرير يقول «المقال طال.. أهجد». والله المستعان وهو من وراء القصد.