-A +A
خالد صالح الفاضلي
القلوب أسواق، والمشاعر سلع، فإذا شح عليك السوق بسلعة ابحث عنها في قلب آخر، ولا تنتظر وعود البائع الأنيق بقدرته على استيرادها لك قريباً، ولا محاولته إيهامك بأنك لن تجدها عند غيره، فربما وجدتها عند بائع رث في أحد أسواق القلوب المستعملة.

لكل سلعة بلد منشأ، تاريخ صلاحية، وخدمات «ما بعد البيع» مشروطة بعدم إدراج «سوء الاستعمال» والتكسير المتعمد، كأحد بنود التعويض، كذلك يندرج على المشاعر، عدم استغلالها، عدم تكسير محتوياتها، والتزام كلا الطرفين ببنود ضمان السلعة، مع أهمية اختيار بلد منشأ معروف بجودته، فالمشاعر المتشابهة، تشبه السلع المتشابهة، ذات المظهر مع فساد جوهر التقليد.


نشتري جوالات، سيارات، ساعات، وفي يقيننا أن لصلاحيتها تاريخاً محدودا، وأن الإهمال يأكل جزءا كبيرا من عمرها الافتراضي، مع احتمال تعرضها إلى «نبذ ذاتي لها» نمارسه بعد انتهاء شهوة الشراء والتملك، بينما – وحدها – أواني الطبخ المعدنية تعيش معنا أزمنة أطول، رغم النار، لأن الطبخ يمنحها الحياة، كذلك ينطبق المقال على المشاعر، قد ننبذها، ما لم نستخدمها كأوان لطبخ حياة أفضل.

بارت أسواق القلوب كثيراً، استوطنتها سلع مشاعر تقليد، غير معروف لها بلد منشأ، زمن صلاحية، وكما تكاثر في أسواقنا «الباعة الأجانب»، تكاثرت في قلوبنا مشاعر «لا تشبهنا»، وفيها من سمات «الوجبات السريعة» كثير، محتوى ووقت (دسمة جداً، جداً، ونأكلها في دقائق)، مع انعكاس سريع على «كوليسترول الروح»، ودهون المزاج، مما ينتج عنها «سمنة طاغية» في الجروح، الاكتئاب، وانسداد في شرايين الحياة.

أثرت الطفرات الاقتصادية على المشاعر، تغيرت أثمانها، أشكالها، جودتها، مع تغيير «دراماتيكي – غريب»، وغير متوقع، نتج عنه تحول المشاعر من صفة سلعة إلى صفة «عملة نقدية»، نشتري بها مستلزمات حياتنا، (فالصبية الصغيرة الجميلة تشتري بمشاعرها «شقة، سيارة، ساعة، فساتين، إلخ» من محفظة رجل ثري، وليس من قلبه)، كذلك يفعل فتى وسيم، معسول كلام «نماك» يبيع مشاعر مُقلدة لسيدة تدفع قيمتها برفاهية نقدية، هدايا ثمينة.

سبق العرب عصر العملات الإلكترونية، وحولوا المشاعر إلى عملات نقدية «غير مرئية»، غير ذات أصول ذهبية، وحقق بعضهم (أو بعضهن) مكاسب وثراء أكبر مما تجلبه (البيت – كوين – وأخواتها)، لأن «البنت كوين» تجني أرباحاً أكثر من «البت كوين»، وأصبح الرجل العربي بين خياري إفلاس؛ إما «بت كوين»، أو «بنت – كوين»، وبما أن بين الرجال أشباه بنات، فبيننا رجال أشباه «بتات».

الخلاصة: الدروب منعطفات، الطُرق المستقيمة جغرافياً لا تأخذنا إلى حيث نريد، ورغم أن الأنجم في السماء فإنها أكثر صدقاً للمسافر من دلالات الطريق وإشاراته، ارفع رأسك إلى السماء، وقل رب لا أريد أن تأكل سباع المشاعر جثمان قلبي، ادفنه في صدري، قبل أن تستوطنه مشاعر مُقلدة، تعيث فيه سرطانا، وإفساداً لبقية حياتي.

jeddah9000@

jeddah9000@hotmail.comm