-A +A
طارق فدعق
كلمة قديمة ترمز إلى الأماكن الصعب الوصول إليها، والدخول فيها، وربما الخروج منها إلا للشاطر أو المحظوظ. وربما مصدرها «خُش» من هنا، ومن هناك. ولكن هناك جوانب أخرى للخشاخيش لا يعرفها معظم الناس، فقد لعبت بعض من أهم الأدوار في الحروب، وإليكم الأمثلة العجيبة التالية: عند قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914 كان عند الألمان أفضل المدفعية الثقيلة بسبب التقدم العلمي الهائل في مجال التصنيع، وبالذات في تشكيل الحديد. فكانت مدافع «برثا الضخمة» Big Bertha تعتبر قمة «قبضايات» المدافع على مستوى العالم، كان المدفع الواحد بحجم بيت، وكان ينقل على قضبان السكك الحديد على عربة قطار، وكان يحتاج الى نحو مائتي رجل فترة تصل إلى ست ساعات من العمل المتواصل لتركيبه، وكانت قذيفته تزن ما يعادل وزن سيارة «هونداي الينترا». ولكن كل هذه «الهيصة» كانت تجلب المشاكل للمدفع نفسه: كل طلقة كانت تحتاج إلى كمية هائلة من البارود، وبالتالي فكانت تهلك الحديد بسبب الحرارة الشديدة المتولدة بداخل فوهة المدفع. واكتشفت شركة «كروب» العملاقة الألمانية أن إضافة أحد العناصر الجديدة إلى الحديد أثناء تصنيعه كان «يهذب» ذراته ولا يسمح لها «بالجنان» المفرط بسبب كتلة القذيفة الهائلة وسرعتها الجنونية، وكانت ذرات هذا العنصر الجديد ضخمة نسبة إلى حجم ذرات الحديد، وسبحان الله أنها كانت «تتشعبط» عليها فتهديها. وكمثال فإن درجة انصهار الحديد «حاف» هي 1200 درجة مئوية، وأما درجة حرارة العنصر الجديد فهي 2621 درجة مئوية، ولذا فعند إضافة هذا العنصر الجديد كانت ترتفع درجة انصهار الخلطة المعدنية، وكانت تسمح بتحمل الطاقة الرهيبة المتولدة بداخل فوهات تلك المدافع الرهيبة.

واسم العنصر الجديد هو «موليب دينوم» على وزن «مو ليا دا اليوم»، وكان من الأسرار العسكرية الرهيبة. الطريف في الموضوع أن هذا العنصر كان نادرا جدا في العالم، ولم يعلم أحد بفوائده. واكتشف عملاء الألمان أن أحد أهم المصادر كان منجما في ولاية كولورادو الأمريكية، وتحديدا فكان يقع في آخر الدنيا.. في منطقة جبال «بارتلت» في ولاية كولورادو.. وكانت تعتبر من «الخشاخيش» الطبيعية الأمريكية. وبما أن الولايات المتحدة كانت تميل إلى جانب الحلفاء في مطلع سنوات الحرب إلى أن دخلت الحرب فعليا عام 1917، فلم تصدّر الكثير إلى ألمانيا، وبالذات الموارد التي ممكن أن تستخدم استخدامات عسكرية. ولذا كونت ألمانيا شركة عالمية اسمها «ميتال جزيل شافت» وكونت لها ذراعا أمريكية باسم شركة «المعدن الأمريكي» للاستحواذ على «المو ليا دا اليوم». وبدأت بالتعدين بشراهة عجيبة فاستولت على معظم الإنتاج العالمي من ذلك المعدن واستخدمته بنجاح لتطوير مدافعها العملاقة التي وصلت بها القوة لضرب أهداف على بعد نحو 120 كيلو مترا وقد استخدم بكثرة لضرب مدينة باريس أيام الحرب.


أمنيـــــة

سبحان الله أن العديد من البشر لا يهتمون بالخشاخيش نظرا لحجمها أو مواقعها. ولكن كما جاء أعلاه رأينا أهمية بعض منها لتحديد مصير الآلاف. أتمنى أن ندرك أهميتها في السلم والحرب وأن يقينا الله شرورها.

وهو من وراء القصد.