-A +A
حمود أبو طالب
كثير من البلدان كانت تتشدق بالتداول السلمي للسلطة استناداً إلى الديموقراطية التي تلهج بها ليل نهار، وتصر على تعليمها لنا -نحن البلدان البدوية المتخلفة الرجعية كما كانوا يصفوننا- وانتظرنا هذا التداول السلمي حقباً طويلة فلم نر غير الاستبداد والقمع والدكتاتورية البغيضة وأنهار الدماء التي تسيل إذا ما حاول مخدوع أن يصدق خرافة ذلك التداول السلمي، ويتطاول بحلم المشاركة في العمل السياسي المشروع للمنافسة الديموقراطية في الوصول إلى مؤسسة الحكم.

ولطالما سمعنا أشد البذاءات التي وُصمت بها الملكيات العربية وما هو في حكمها من إمارات، من حقبة الخمسينات في القرن الماضي حتى انطلاق الثورات العربية الأخيرة. كانوا يستخدمون أقسى وأبشع الألفاظ لتوصيف المملكة وبقية الدول المشابهة لها في نظام حكمها، ولكن هل يمكن أن نسأل الآن كيف تقوم ثورات في جمهوريات، وكيف تصر شعوب الملكيات على استمرار أنظمتها وحكامها؟. ببساطة لأنها كانت استغفالا للشعوب واستبدادا لها تحت لافتة شعارات رنانة براقة كاذبة، ليست سوى تكريس للاستبداد في أبشع صوره.


الآن نود أن نقول لفلول تلك المرحلة والذين ما زالوا يرضعون أوبئتها التي سممت الشعوب وأسالت دماءها، نريد أن نقول: توالى ملوك على وطننا، وأولياء عهد، في ظروف مختلفة، ولم تنزف قطرة دم، ولم يدخل أحد معتقلا، ولم يتحول الشعب إلى وقود لجنون الكراسي. هناك أخلاقيات وشيم ومسؤولية وصدق ووفاء وارتباط عضوي نزيه بين مؤسسة الحكم والشعب والوطن، وهناك أسرة حاكمة لا يتربص كبيرها بصغيرها ولا يعقُّ صغيرها كبيرها، تتوخى مصلحة الوطن كقيمة عليا وتختار لها من تراه الأصلح بحكم المرحلة والظروف.

يا من كنتم تدّعون تعليمنا حكم الأوطان، نحن الآن نريد أن نقول لكم تعلموا من دروس قصر الصفا في مكة المكرمة يوم الأربعاء الماضي، تعلموا كيف تأسست دولة ثم بلغت الذرى من عهد ملك إلى آخر دون رصاصة ولا قطرة دم.