-A +A
سعيد السريحي
ليس ثمة شك أن هناك أحكاما شرعية غير قابلة للنقاش أو إعادة النظر، منها على سبيل المثال تحريم تعظيم غير الله تعظيما لا ينبغي صرفه إلا لله تعالى، فذلك من شأنه أن يعد ضربا من الشرك الذي يخرج المرء من الإسلام، ومع ذلك فثمة اجتهادات للعلماء تتمثل فيما يمكن أن يدخل تحت هذا الحكم الشرعي ويحمل على أنه ضرب من التعظيم لغير الله وبالتالي يحرم القيام به، ومثل هذه الاجتهادات تبقى معقودة بزمانها ومكانها وروح العصر الذي تظهر فيه وطبيعة الثقافة التي يتسم بها ذلك العصر.

من ذلك تلك الفتوى التي يستند إليها أولئك الذين لا يقفون عند تحية العلم وعزف السلام الملكي والنشيد الوطني والتي ترى أن في ذلك الوقوف تعظيما لغير الله لا ينبغي للمسلم أن يقع فيه، وإذا كانت الحاجة ماسة لمراجعة تلك الفتوى فإن المراجعة ليست مراجعة لحكم تعظيم غير الله وإنما هي مراجعة لاجتهاد علماء رأوا في تلك التحية تعظيما لغير الله، المراجعة ليست مراجعة لحكم شرعي وإنما هي مراجعة لما يمكن أن يدخل تحت ذلك الحكم الشرعي.


وإذا كنا ننزه علماءنا الأجلاء عن أن يدعوا لما يصدر عنهم من فتاوى العصمة ونعرف أنهم لا يرون في فتاواهم إلا أنها اجتهادات يتحرون من ورائها الحق والصواب، فإننا نتطلع إلى أن ينهض علماؤنا بمراجعة تلك الاجتهادات فهي اجتهاد بشري، وتلك المراجعة مطلوبة لدفع التناقض بين تلك الفتاوى التي لا تزال تشكل مرجعا لبعض التصرفات والحياة العامة التي لم تعد تلك الفتاوى متلائمة معها.

لنؤكد في الختام: أحكام الشرع ثابتة وقطعية، أما كثير من الفتاوى التي تؤخذ بالقياس على تلك الأحكام فهي اجتهادات قابلة للمراجعة، ومن تلك الفتاوى حكم تحية العلم والقيام عند عزف النشيد الوطني، فتعظيم غير الله لا يجوز شرعا، أما اعتبار القيام تعظيما فهو الفتوى التي تحتاج إلى تصحيح كي لا يجد أولئك الذين في قلوبهم مرض ما يحتجون به عندما يتقاعسون عن الوقوف تحية للعلم.