-A +A
عبير الفوزان
في هذه المدينة السحرية، التي تنبسط على الرمال الذهبية ويحيط بها نخل باسقات، تكاد تكون الحياة فيها مثالية فلا داعي لوجود الناشطة التي تلهث وراء حقوقها، وحقوق الأخريات، كما أن الماشطة لا دور لها إلاّ الدور الفعلي (تمشيط الشعر).

مدينة النساء هو حلم تراكمي تم استدعاؤه من أمنيات شريحة من الشعب السعودي الذي بدأه حقيقة مع الطفرة، وأصبح في بيته الذي اتسع: (باب للرجال) و(باب للحريم)، ثم تداعت التقسيمات والعزل، لأن الوضع الاقتصادي أتاح له ذلك، ساعده الحلم في وجود مدارس خاصة بالبنات.. وجامعات خاصة بالنبات.. إلى أن وصلت المطالبات بمستشفى خاص بالنساء، وأسواق خاصة بالنساء، وأوقات محددة خاصة بالنساء في الأماكن المقدسة.


مسألة العزل المبالغ فيه تجعلك تظن أن النساء يحملن فيروسا قاتلا، لا يصيب إلاّ الرجال، أو أن النساء كائنات هلامية لابد من قولبتها في أماكن معينة لتأخذ شكلها الإنساني القابل للعيش... أو هن كائنات رخوية لابد أن تَكُنْ طوال مراحل عمرها المختلفة لتصبح لؤلؤة صلدة.. أو جوهرة كما يحب أن يقول المزبرق للكلمات.. والمزبرق لا يختلف عن الهاوي الذي فتح له محل زينة للسيارات، فأضاف للسيارة كثيرا من سخفه، ظانا أنها ستكون أجمل، وأقوى على وعثاء السفر، والطرقات الخطرة!

«اعزلني وزبرقني» هتافات تتردد من بعض النساء الرخويات اللاتي يخفن على أنفسهن من فتنة الهواء، فيلجأن إلى الرجل الذي يجيد فن الزبرقة، وهو فن من «فنون الانحطاط» لتكتسب من زبرقته ملمحا جماليا يعينها على التطلع في مرآة عزلتها.

كل الأعذار الداعية للعزل ليست واهية فقط، بل تتطلب وقفة مع المطالب بذلك لاسيما عندما يطالب بعزل في مكان مقدس أو في الشارع.. أخيرا تمت مطالبة بعض أهالي الباحة بعزل النساء عن الرجال، ليس في مدرسة أو جامعة، بل في ممشى الباحة، وذلك بوضع ساتر أو حاجز. بعد هذه المطالبة أليس أسلم وأجدر أن تكون هناك مدينة خاصة بالنساء؟!

مدينة النساء سترحم تلك المفتونة بالزبرقة، وستعيد لها علاقتها مع الهواء والنور والشمس، وستكسد بلا شك بضاعة المزبرق صاحب الدرة المكنونة.