الكاريزما...

ذلك الضوءُ الذي لا يُرى، لكنه يُحسّ،

وذلك الحضور الذي يسبق صاحبه كما يسبق العطرُ الجسد.

حيث يولد بعضُ الناس وكأن في ملامحهم وعداً بالاهتمام، وفي أصواتهم شيءٌ من الطمأنينة،

وفي تصرفاتهم ما يشبه الإقناع بلا كلمات.

لكن.. هل تُورث الكاريزما؟

بالتأكيد ليس بالضرورة، فالهالة التي تلتف حول بعض الوجوه ليست جينية تماماً، بل هي تربيةُ روحٍ قبل أن تكون إرثَ دم.

وهي حصيلةُ مواقف، وذكاءٌ في التوقيت،

وحسٌّ عاطفيّ يلتقط ما لا يُقال.

فالكاريزما ليست في العينين اللتين تلمعان،

ولا في نغمة الصوت أو اتساع الابتسامة،

بل في الصدق الذي يسكنها جميعاً.

إنها القدرة على أن تكون «حاضراً» بكلّك،

أن تجعل الآخر يشعر بك لا يسمعك فحسب.

وربما تولد البذرة، لكنها لن تُثمر إلا إذا سُقيت بالتجربة، وصُقلت بالوعي، ونضجت بالتواضع.

فكم من شخصٍ ورث الجمال والهيبة، ولم يورّث قلبهُ أثراً في أحد.

وكم من آخرٍ بسيط المظهر، لكنّ حضوره يملأ المكان دفئاً، كأنه حديثٌ مع النفس لا مع الناس.

فالكاريزما إذاً ليست هبة الجينات، بل فنّ أن تكون نفسك، في زمنٍ يكثر فيه الممثلون.

ولأنها تُشبه الضوء أكثر من الدم، فهي لا تُورَّث بقدر ما تُكتَشف، حيث تظهر حين يتصالح الإنسان مع ذاته، وحين يتحدث بعفويةٍ لا تُتقنها الأقنعة.

فهي أثرُ الصدق في الملامح، ورائحةُ الثقة في الكلمات، وسحرُ الإنسانية حين تتجلى بلا تصنّع.