-A +A
عزيزة المانع
رغم ما نقوله من أن مجتمعنا ولله الحمد يعد مجتمعا آمنا متى قارناه ببعض المجتمعات التي ترتفع فيها نسبة الجريمة، إلا أن هذا لا يعني أن مجتمعنا لا يعاني من تكرر وقوع الجرائم فيه بشكل يومي تقريبا، وتكرر وقوع الجرائم في المجتمع جعل بعض الناس يقولون إن الجرائم في بلادنا زاد عددها عما كان عليه في القرن الماضي، وإن سبب الزيادة يرجع إلى تغير ظروف الحياة الاجتماعية مثل تزايد عدد العمالة الوافدة، وانتشار الإنترنت، إضافة إلى البطالة وضعف التربية.

ومن الحق القول إن كثرة ما يقع من جرائم هذه الأيام يلفت النظر، لكن هل من الحق أيضا القول، إن نسبة الجريمة في المجتمع هذه الأيام أكبر منها في السابق (بناء على ما نراه من ارتفاع في عدد الجرائم)؟ بمعنى آخر، هل من الحق القول إن المجتمع في الماضي كان يتمتع بالأمن أكثر منه الآن؟


إن إجابة مثل هذا السؤال، لا تبنى على (عدد) الجرائم، ولا تبعا للانطباع العام الذي يتكون عبر المشاهدات الخاصة، وإنما هي تبنى على الدراسات المقارنة، التي تقارن فيها (نسب) انتشار الجريمة، وليس (عدد) الجرائم التي تقع في الزمنين الماضي والحالي، إلا أنه مع الأسف لا توجد لدينا إحصائيات صحيحة تمثل (نسب) انتشار الجريمة في القرن الماضي، ولذلك فإنه لا يمكن الجزم بأن انتشار الجريمة في الماضي أقل منه الآن، أو أن المجتمع سابقا كان أكثر أمنا مما هو عليه حاليا.

من نافلة القول، إن زيادة (عدد) الجرائم التي نشهدها في هذا الزمان هي حالة مصاحبة لزيادة عدد السكان في المجتمع، فمن المسلم به أن عدد الجرائم يزيد طردا مع زيادة عدد السكان، فمجتمع يبلغ عدد سكانه 30 مليونا من المتوقع أن يكون (عدد) الجرائم التي تقع فيه يفوق عددها في مجتمع آخر لا يتجاوز عدد سكانه مليونين أو ثلاثة. إلا أن هذه الزيادة في عدد الجرائم، لا تعني أن وقوع الجرائم في المجتمع الكبير أكبر من وقوعها في المجتمع الصغير، لأن الذي يحدد ذلك هو (النسبة) وليس (العدد).

هذا يعني أنه لا يمكن القول إن التغيرات الاجتماعية في هذا القرن تسببت في زيادة الجرائم، ما لم يكن القول مدعما بدراسات موثقة بإحصائيات سابقة وحالية توضح (نسبة) الجرائم لا (عددها) في كلا الزمنين. بدون الدراسات والتقارير الموثقة بإحصائيات صحيحة تظل جميع الأحكام والأقوال في حكم الظن والافتراض.