-A +A
حمود أبو طالب
انتظر العالم بترقبٍ كبيرٍ المقابلة الحصرية للإعلامي الأمريكي تكر كارلسون مع الرئيس فلاديمير بوتين؛ كونها أول حوار إعلامي موسَّع مع بوتين منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، ومن يجريها إعلامي أمريكي؛ أي من الدولة التي تقود التحالف المناهض لبوتين، ومحسوب على الإعلام الذي مارس إقصاء وجهة النظر الروسية، وهنا تكمن المفارقة المثيرة التي شدَّت الانتباه منذ الإعلان عن المقابلة، وازدادت إثارةً بتصريحات كارلسون قبل بثِّها.

لا خلاف على أن ما قام به كارلسون عمل إعلامي متميز بغض النظر عن أي أبعاد أو دوافع أو ملابسات أخرى. الإعلامي المهني هو من يقتنص الفرص النادرة أو يصنعها، وقد فعلها كارلسون ليسجل نقطة ثمينة في مسيرته الإعلامية، من حيث الشخصية التي اختارها وتوقيت المقابلة، بغض النظر عما تُسفر عنه من معلومات، والحقيقة أن بوتين لم يقل شيئاً جديداً بالغ الأهمية من حيث المعلومات أو الموقف، فالحديث الطويل كان في مجمله اجتراراً لمعلومات تأريخية معروفة، وتكراراً للاتهامات المعتادة بين الطرفين الروسي والأمريكي/‏ الغربي، ولم يتضمَّن طرحاً جديداً مهماً يمكن اعتباره اختراقاً في ملف الحرب، والتوتر العالمي المتزايد الذي يصاحبها.


الساحة الإعلامية هي أهم ساحة للمفاصلة خلال الأزمات، في الداخل أو مع الخارج. وكلا الطرفين، أمريكا وروسيا، لديهما أزمات متفاقمة الآن؛ أمريكا تشهد بداية انتخابات ستكون المواجهة فيها غير مسبوقة في أدواتها، وملف الحرب الأوكرانية الروسية حاضر فيها. وروسيا متورطة في حرب لا مؤشرات إلى الآن ترجح إمكانية كسبها، إضافة إلى المشاكل السياسية الداخلية التي لم تستطع الحرب إزالتها تماماً من المشهد. كلاهما يريدان غسيل الأزمات الداخلية من خلال الأزمات الخارجية لتشتيت تركيز الشعب وإعادة ترتيب أولوياته انتخابياً.

وفي كل الأحوال فقد سنحت فرصة ثمينة للرئيس بوتين بهذه المقابلة، لكنه لم يستثمرها بذكاء كما يجب لكسب نقاط لصالحه. وأيضاً نجح كارلسون في ترتيب المقابلة لكنه لم يكن خلالها الإعلامي المشاكس الحريص على الخروج بسبق مثير، وانتزاع معلومات جديدة بتوظيف المكر والدهاء للإعلامي المحترف. لقد تابعنا أكثر من ساعتين كنا نتوقع أن تكون ساخنة، لكن اتضح أن جليد موسكو طغى عليها.