-A +A
السيد محمد علي الحسيني
أكثر بلاء ابتلي به الدين أن تخاض الحروب الدموية وقتل العباد وتدمير البلاد باسمه، حتى بات متهماً بأنه سبب اندلاعها وأنه أصل المشكلة وجوهرها. ولا شك أن هناك من خطط ويخطط، ليس اليوم فحسب، بل منذ قديم الأزمان، كانت القبائل والجيوش المتقاتلة تستخدم ورقة الدين التي تعتبر في منظورها ورقة رابحة؛ لأنها تشل العقول وتحرك العواطف وتلعب بالمشاعر وتدفع القلوب إلى المهالك الكبرى دون وعي أو إدراك، فيجد كثيرون أنفسهم قد انجروا في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل بسبب السياسة التي تستخدم البروباغندا الإعلامية لاستقطاب واستمالة الشباب والمراهقين بالتركيز على الدين باعتباره نقطة ضعف لهم، ولا يمكن لهم أن يميزوا بين الحق والباطل؛ لأن السياسة لعبت لعبتها وأحكمت سيطرتها، لخدمة مصالحها وأطماعها التي لا حدود لها ولا سقف «وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ»، وإن كان الثمن تحريف المفاهيم الدينية عن جوهرها «فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ».

لم يكن استخدام الدين في الحروب جديداً بل قديم، فاستخدمه الصليبيون في حروبهم لتحقيق إنجازات حتى سموها بالحروب المقدسة، وكذلك الذين خاضوا حروبهم الطائفية التي استخدمتها وتستخدمها الأطراف السياسية لتحقيق مكاسب فردية على حساب الأمم ومستقبلها، وصحيح كما قال جيفري بيرتون راسل، أن العديد من حالات الأعمال الدينية المفترضة دفعت للحروب الدينية، مثل حرب الثلاثين عاماً التي هيمنت فيها فرنسا (ذات الغالبية الكاثوليكية) وسيطرت على الجانب «البروتستانتي» لمعظم جوانب النزاع بقيادة الكاردينال ريشيليو، لكن لو تمعنا في خفايا هذا التوظيف الديني لوجدنا أنه دون أدنى شك هو للهيمنة على مفاصل الدول باعتبار أن الدين له أهمية كبيرة، وهكذا أثبتت التجارب التاريخية كالحرب المدنية الرواندية التي ارتبطت بالقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتم استخدام الدين فيها لإحراز انتصارات سريعة.


لا أشك أن الحروب التي استخدمت الدين ضاعفت من شعور العداء للأديان ونبذها وتشويهها، والأديان منها براء فلا المسيحية ولا اليهودية ولا الإسلام يدفعون بالإنسان إلى القتل والموت والدمار «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»، إضافة أنها تتسبب في إراقة الأبرياء باسم الدين والحقيقة أنها أطماع ومصالح شخصية «اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون»، ناهيك أن صفة التطرف والإرهاب قد أصبحت وجهاً ملازماً للدين بسبب هذا التوظيف السياسي الماكر للدين في الحروب العبثية، والطامة الكبرى تصوير هذا التوظيف كملحمة بطولية من يسقط فيها فهو شهيد، وإعطاء هذه الحروب الشرعية الدينية بتخدير عقول البشر بالأساطير والأكاذيب لتعبئتهم ودفعهم إلى مستنقع لا خروج منه، لكن الفيصل في هذه الأمور كلها هو الدين في حد ذاته وتعاليمه ومردها إلى الله الذي قال وهو أحكم الحاكمين «قُلْ آللَّهُ أذِنَ لَكم أمْ عَلى اللَّهِ تَفْتَرُونَ»، فالله تعالى حرم القتل وإراقة الدماء واستباحتها لأجل أهداف شيطانية ما تعلق منها بفرض السيطرة والنفوذ، والتوسع الجغرافي، فالله تعالى قال: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا».

إننا من موقعنا الديني نؤكد أنه لا يجوز إقحام الدين وتوظيفه في أي من الحروب السياسية؛ لما لها من انعكاسات سلبية الخاسر الأول فيها هو الإنسانية جمعاء ومن يقدم على ذلك فقد ارتكب إثماً ومنكراً عظيماً.