-A +A
علي محمد الحازمي
تعتبر التكنولوجيا والعولمة وجهين لعملة واحدة، وقوتين مترابطتين ارتباطاً وثيقاً لا ينفك بعضهما عن بعض، تقودان التغيير الهيكلي الدائم في أسواق العمل، وبالتالي نجد تأثيرهما ملموساً على الاقتصاد العالمي. نجحت التكنولوجيا والعولمة في خلق تحول ملموس على مستوى أسواق العمل من خلال خلق فرص عمل جديدة في قطاعات كثيرة، كما أسهمت في إعادة تشكيل متطلبات مهارات القرن الواحد والعشرين المرتبط بالثورة الصناعية الرابعة، وتمكين المنافسة العالمية.

على الرغم من الفوائد الكثيرة التي جلبتها هذه التطورات، إلا أنها فرضت أيضاً تحديات؛ يأتي في مقدمتها إلغاء بعض الوظائف، وخلق فجوات في مهارات سوق العمل، بالإضافة إلى المخاوف بشأن الحقوق العمالية. يتطلب مجابهة هذه التغييرات وجود مساحة عالمية للتعاون والتواصل لمواجهة مثل هذه القضايا لبناء حوار فعال مع اللاعبين الآخرين في النظام البيئي لأسواق العمل، وذلك حول كيفية بناء مستقبل أفضل من خلال تبني مفهوم استمرارية التعلم، وتعزيز فكرة محاربة الأمية على المستوى التكنولوجي، وإنشاء سياسات مرنة قادرة على تلبية احتياجات سوق العمل في عالم متزايد الترابط وقائم على التكنولوجيا.


ولتوضيح ذلك لا بد من الإشارة إلى الكيفية التي أعادت التكنولوجيا والعولمة بها تشكيل متطلبات المهارات في سوق العمل. مع ظهور سلاسل التوريد العالمية والتقدم التكنولوجي، هناك طلب متزايد على العمال ذوي المهارات المتخصصة؛ لا سيما في قطاعات مثل التكنولوجيا والتمويل والهندسة، أدى ذلك إلى التركيز المتزايد على التعليم والتدريب الفني للأيادي العاملة لاكتساب مهارات عالية المستوى لتكون قادرة على المنافسة والبقاء في أسواق العمل العالمية.

أثارت العولمة المخاوف بشأن معايير العمل وحماية العمال. وفي بعض الحالات، قام العديد من الشركات العالمية بنقل خطوط إنتاجها إلى بلدان ذات أنظمة عمل ضعيفة، مما أدى إلى مخاوف بشأن استغلال ظروف العمل السيئة، وانتهاكات حقوق العمال.

هذا كله يوضح رؤية المؤتمر الدولي لسوق العمل (GLMC)؛ الذي تنظمه وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الشهر القادم، حيث يسعى المؤتمر لقيادة حوار عالمي فعال لمناقشة ومعالجة هذه المخاوف من خلال منصة توفر بيئة غير مسبوقة لتبادل الأفكار، وتعزيز التعاون، وقيادة التغيير الإيجابي، ووضع معايير عمل دولية موحدة لجميع أنحاء العالم.

المؤتمر في الحقيقة سيكون بذلك الحافز للتغيير للنهوض بأسواق العمل التمكينية والمبتكرة التي تجتذب أفضل المواهب، وتعزز الديناميكية، وتكون بمثابة معايير عالمية للتميز والشرارة التي تشعل التقدم في أسواق العمل، وتفتح الآفاق المرتبطة بتكنولوجيا وعولمة أسواق العمل، وهذا سيتحقق بسبب حضور نخبة من صناع القرار والمفكرين والأكاديميين والرؤساء التنفيذيين من جميع أنحاء العالم -حسب ما تذكره الوزارة في بيانها- لمناقشة الفرص والتحديات ولاستكشاف الاتجاهات الحالية والمستقبلية وطرق التنقل على الطرق المحفوفة بالمخاطر نحو توازن أسواق العمل.

سوق العمل السعودي واحد من أكثر الأسواق جاذبية للعمالة القادمة من الخارج، وذلك بما يتمتع به من قوانين وأنظمة يتم تحديثها بشكل مستمر وفق أفضل الممارسات العالمية. ومن هذا المنطلق سيكون المؤتمر الدولي لسوق العمل، بنسخته الأولى، في المملكة العربية السعودية، منصة تشرح ما تم تحقيقه في المملكة للعالم. إن روح الابتكار معدية، والشعور المشترك بالهدف واضح، ولذلك نأمل ألا يكون المؤتمر مجرد اجتماع للعقول، بل منصة لإقامة شراكات وتعاونات جديدة على مختلف المستويات والأصعدة.