-A +A
نجيب يماني
أؤكد للزميل مشاري الذايدي أن ما ذكره في مقاله (ازدهار الخرافات في وقت النكبات)، بأنها أخبار آحاد ظنية لا تفيد العلم الضروري ولا تُؤخذ منها العقائد مثل التوحيد والبعث والصراط وأحوال الآخرة وعذاب القبر وغيرها مما تطفح به كتب الأحاديث، فالعقائد طريقها القطع واليقين.

وخبر الآحاد ما نقله واحد من الصحابة عن رسول الله، ولا يُفيد إلا الظن، كون الطبيعة البشرية مُعَرَّضة للخطأ والنسيان، فالعصمة لا تكون إلا لنبي.


فالعقائد أمرها خطير ولا يجوز حملها بطريق الخطأ والنسيان. فالشريعة اشترطت في الشهود أن يكونوا اثنين من الرجال أو أربعة في الحدود مثل السرقة والزنا، فمن باب أولى اشتراط التواتر في نقل العقائد، إذ إن أمرها أجلّ وأعظم من الأموال والدماء.

يقول الشافعي في قوله تعالى ( ... فعززنا بثالث) فيه معنى لتعضيد خبر الآحاد في أمر العقائد ليرتقي إلى التواتر لتطمئن إليه النفوس بجبلتها فيحصل به العلم الضروري.

وقد رد رسول الله خبر الآحاد فيما هو أقل خطراً من العقائد كما في قصة ذي اليدين. ورد أبو بكر خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة حتى وثَّقه محمد بن مسلمة، ورد عمر خبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان حتى وثقه أُبي بن كعب، ورد أبو حنيفة خبر الآحاد فيما تعم به البلوى.

ورد ابن القيم حديث أبي هريرة في بدء الخلق وهو من العقائد لأن خبره آحاد،

وردت عائشة حديث الشؤم بقوله تعالى (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب) لِمَا في الآية من نفي التعلق بغير الله، وهو أصل من أصول العقيدة.

وقال ابن تيمية إن خبر الآحاد بذاته لا يفيد إلا الظن، فلزم ألا يكون للعقائد إلا طريق القطع والجزم واليقين.

فحديث (إن ناراً تخرج من اليمن من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر إيذاناً باقتراب الساعة، وأنّهُ يخرج من عدن اثنا عشر ألفاً لنصرته هم خير من بيني وبينهم)، مما يعنى أنّهم أفضل الناس حتى من الصحابة والتابعين حديث آحاد لا يؤخذ به كما روى حذيفة حديث (لا تقوم الساعة حتى ترون قبلها عشر آيات)، فذكر الدخّان والدجال والدابّة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف، خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ بجزيرة العرب، وآخرها نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.

هذا الحديث موقوف على الصحابي، فما ذكره ليس من كلامه عليه الصلاة والسلام، ثمّ إذا كان آخر هذه الأحداث خروج هذه النار من عدن تسوق الناس إلى المحشر، فهل خروج الناس إلى المحشر هو علم من علامات الساعة أم أنه حدث من أحداثها؟!

فهل ينتظر بلايين البشر حتى تأتيهم نار عدن توجّههم إلى المحشر في بلاد الشام؟ وأيّ شام هذه التي يحشر إليها هذه البلايين من الخلق على وجه الأرض؟

فآيات الله القطعية الثبوت والدلالة تعارض هذه الأحاديث الأحادية والإخبارية كقوله تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم، إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم)، (إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها)، (إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت)، (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة، وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة)، آيات بينات تصف أحداث يوم القيامة، تخالف ما يقال من أحاديث أحاد في شأن العقائد لا ترقى إلى التواتر.

حديث آخر يناقض حديث عدن (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تسوق الناس إلى المحشر)، وحديث (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس إلى المحشر بعصاه).

رجلٌ واحد يسوق البلايين إلى المحشر بعصاه في يده، فكيف يصدق العقل مثل هذه الترهات؟

وحديث أبي هريرة (لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات أي أرداف نساء دوس حول ذي الخلصة)، وهو صنم كانت تعبده قبيلته في الجاهليّة، أفلم يجد رسول الأمة شيئاً يصف به علامات القيامة سوى أرداف النساء؟!

وفي الحديث أنّ عيسى ينزل في آخر الزمان يقتل الدجال ويحكم الناس بشرع الله.

أو ليس عيسى نبيّ من أنبياء الله؟

فأين هذا من قوله عليه الصلاة والسلام (لا نبي بعدي). وقوله تعالى (إن محمداً خاتم الأنبياء والمرسلين).

وفي الحديث أنّ المسيح الدجّال أعور في يديه نهران يجريان، وأنّ معه جنّة ونار، وأنّه يأمر السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت، وأن يقتل رجلاً ثم يحييه، فهل يضع الله معجزاته في يد كافر؟

وكما ذكر الزميل الذايدي، فكثير من علماء الأمة نفى هذه الأحاديث وأخرجها من صلب الدين، مثل العالم المرحوم ابن محمود في كتابه لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر.

أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد، وهذا ما أكده الأمير محمد بن سلمان بأن هذا هو المصدر الأساسي للانقسام في العالم الإسلامي، بين المتطرفين وبقية المسلمين، عشرات الآلاف من الأحاديث، يستخدمها العديد من الناس كوسيلة لتبرير أفعالهم، فتنظيما القاعدة وداعش يستخدمان الأحاديث النبوية الضعيفة جدّاً، التي لم تثبت صحتها، لإثبات وجهة نظرهم».

فينبغي عدم الخلط بين المتواتر الذي يفيد العلم الضروري، والآحاد الذي لا يفيد إلّا الظن، ويستخدم لإثارة العواطف وتبليد العقول.