-A +A
أحمد الجميعة
في مواسم الإنتاج التلفزيوني وخصوصاً في شهر رمضان الحالي؛ أصبح محتوى معظم القنوات يقتات على محتوى جمهور شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا التحول يعيدنا إلى السؤال الذي كنّا نعتقد فيه أن وسائل الإعلام هي من ترتّب أولويات الجمهور، واتضح في هذا الوقت أن جمهور التواصل الاجتماعي هو من يرتّب أولويات الوسائل، بل ويؤثر في محتواها، ومع هذا الواقع الجديد أصبح الجمهور منقسماً على نفسه؛ فهناك من يرى أن الإنتاج التلفزيوني ببرامجه ومسلسلاته لم يعد بذات القيمة الفنية الرفيعة، وبين من يرى أن هذا الاتجاه المعاصر هو ما يطلبه جمهور التواصل الاجتماعي الذي لا يمكن تجاهله، أو التقليل من حجمه، ومستوى تأثيره.

الواقع يقول شيئاً آخر أيضاً؛ وهو أن الجميع أصبح جمهور شبكات تواصل، وليس جمهوراً محدوداً لوسائل الإعلام، والمقصود أن وعاء الرسالة الجديد لم يعد الشاشة أو صفحات الجريدة أو المجلة، وإنما حساب الوسيلة في شبكات التواصل الاجتماعي الذي يشاهده الجميع، والدليل أن محتوى الوسائل أصبح يشاهد في هذه الشبكات أكثر من مشاهدته في الوسيلة نفسها؛ لذا أصبح حجم الوصول والمشاهدات والتفاعل هو مقياس المنافسة بين القنوات، وجذب المزيد من المعلنين لها، وهذا لن يتحقّق إلا بمحتوى يتم إنتاجه في الوسيلة، ثم يتم تدويره بين هذه الحسابات، ليجد رجع الصدى من جمهور التواصل، وهو الأهم في عالم الاتصال اليوم.


نقول هذا الكلام، لنعود إلى بداية الحديث، وهو أن القائمين على القنوات الفضائية وجدوا أنفسهم مضطرين إلى التحول المباشر إلى جمهور شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا التحول لم يقتصر على فكرة تقديم محتوى في حساب تواصلي، وإنما أيضاً إشراك مشاهير التواصل ليكونوا جزءاً مهماً في عملية الإنتاج لهذا المحتوى، والتقاط الأفكار والقصص المنشورة في حسابات الجمهور؛ لتكون هي المادة الخام التي يعاد تكريرها بأسلوب وإخراج مختلف.

النقاش الذي يدور مع أول أيام رمضان عن استضافة مشاهير في قنوات، أو تقليد مؤثرين في برامج، أو استحضار صور ومشاهد لنجوم كرة قدم، أو حتى إثارة المزاج العام بقصص ومواقف ومشاهدات قد لا يرى البعض استحسانها؛ كل ذلك هو تعبير عن واقع، وأول دروس الواقع أن نتعايش معه، ثم نسعى إلى تغييره أو تطويره لما هو أفضل مستقبلاً، ومهما تكن وجهات النظر المؤيدة أو المخالفة تجاه هذا الواقع، إلا أن ثمة جمهوراً واعياً يستطيع أن يقيّم ويحكم على ما يشاهده، ويعطيك انطباعاً مختلفاً من أن جاذبية التعرّض للمحتوى لم تعد وحدها كافية للتأثير فيه، أو استدامة الأثر للمنافسة عليه، وهذا بحد ذاته كافٍ لتحديد اتجاه الحكم على ما هو معروض اليوم في سوق الفضاء التواصلي.