-A +A
صدقة يحيى فاضل
تنصب التكهنات بالأحداث السياسية العالمية المقبلة، أو التي تميل للحدوث في المستقبل القريب، غالباً، على طبيعة «العلاقات» فيما بين الدول العظمى والكبرى (الاقطاب)، المهيمنة حالياً على مقاليد السياسة الدولية. ومعروف، أن العلاقات الدولية بين أي طرفين دوليين، تتأرجح دائماً بين ظاهرتين متناقضتين؛ هما: التعاون/‏ الصراع. فالعلاقات فيما بين القوى العظمى الراهنة (أمريكا، الصين، روسيا) تؤثر كثيراً كالعادة -إيجاباً وسلباً- على مدى الاستقرار السياسي بالعالم، بما فيه المنطقة العربية، وغيرها. ومعروف، أن هذه العلاقات ما زال يغلب عليها الصراع، على حساب التعاون. فهناك «حرب باردة»، أو «شبه ساخنة»، تدور الآن بين كل من أمريكا وكل من الصين وروسيا، حول أمور عدة، في مقدمتها الوضع في أوكرانيا. وتوشك هذه الحرب الباردة أن تتحول إلى حرب عالمية ساخنة، بل وقاضية.

ولقد شهدت الفترة الأخيرة تراجعاً (حتمياً) في هيمنة القطب الأمريكي الذي انفرد بقمة العالم الاقتصادية – السياسية، منذ عام 1991م، وتصاعداً في قوة ونفوذ قوى كبرى قادمة (الصين بخاصة، ثم روسيا) قد لا تكون أكثر إنصافاً وأقل جشعاً، من أقطاب سابقين. ورغم أن القطب الأمريكي ما زال في صدارة أقطاب اليوم، إلا أن الصين، وإلى حد ما روسيا، قد أصبحتا تشارك أمريكا في التربع على قمة العالم؛ الأمر الذي جعل النظام العالمي الراهن نظام التعدد القطبي، وودع العالم نظام القطب الواحد، منذ أشهر، غير مأسوف عليه.


وغالبا ما سيشهد عام 2023م تفاقم «الحرب الباردة» بين أمريكا والصين. وسيتركز الصراع بين هذين القطبين على محاور عدة، أهمها: جزيرة تايوان، والتمدد الاقتصادي الصيني في آسيا وأفريقيا. كما يبدو أن الأزمة الحالية بين روسيا وأمريكا حول أوكرانيا، قد دخلت في طريق مسدود، نتيجة تمسك أطرافها بمواقفهم المتناقضة. ولا يتصور أن أزمة أوكرانيا ستنتهي بسلام، إلا إذا قبل الغرب ضم روسيا لمناطق في شرق أوكرانيا، وعدم قبول أوكرانيا في عضوية حلف «ناتو». وتحقق ذلك يعتبر، بالنسبة للطرفين، الآن من المستحيلات السياسية. إذا، سيستمر هذا الصراع الخطير، وربما يتفاقم، خلال عام 2023م.

****

وفي إطار التكهن بأهم ما يحمله العام الجديد 2023م من تطورات سياسية واقتصادية، صدر مؤخراً، عن «مجلس التنمية الدولية»، تقرير شامل عن «المخاطر العالمية 2023م»، راصداً التهديدات والتحديات، التي يواجهها العالم في عام 2023م، بل وفي العقد الحالي بأكمله (2030م). وقدم «توصيات» بما يجب عمله تجاه كل خطر. ونقتطف من هذا التقرير ما يلي:

«ستؤدي أزمات الغذاء والوقود وارتفاع التكلفة للحاجات الأساسية للمعيشة، في كثير من الدول، إلى تفاقم نقاط الضعف المجتمعية. بينما سيؤدي انخفاض الاستثمارات في التنمية البشرية، إلى تآكل القدرة على الصمود في المستقبل... وذلك سيؤدي إلى زيادة خطر حدوث أزمات متعددة. حيث تتفاعل أزمات متباينة قد لا تكون معهودة... العقود الأربعة سوف تشهد نقصاً في الغذاء والماء والمعادن والموارد الضرورية. وهذا سيؤدي إلى أزمات إنسانية وبيئية، تتمثل في: حروب المياه والمجاعات، والاستغلال المفرط للموارد البيئية».

****

لهذا، يبدو أن معظم القضايا الكبرى على الساحتين الإقليمية والعالمية، ستظل كما هي -بصفة عامة- مع تزايد الاهتمام الغربي والعالمي بالأمور الاقتصادية والمالية... خشية التدهور المعيشي، الذي يلوح في الأفق الغربي بخاصة. وبعض القضايا الأخرى ستظل معلقة. كما قد يشهد عام 2023م اهتماماً عالمياً متزايداً بمسألة المناخ، وبتفعيل اتفاق باريس بشأنه. ويبدو أن العالم العربي -بصفة عامة، وباستثناء بعض أجزائه- يعتبر أقل مناطق العالم احتمالاً للنهوض، والاستقرار، والازدهار، إن استمر فكره وتكوينه السياسي، كما هو. إذ يتوقع أن يستمر حال أغلب العالم العربي وقضاياه -بصفة عامة- على ما هو عليه... باعتبار طبيعة «النظام العالمي» الراهن، وتوجهات الغرب المتنفذ الاقتصادية والسياسية الانتهازية. وكذلك قوة «العوائق الذاتية» المعروفة، التي يعاني منها جل العالم العربي.

****

ويبدو أن سنة 2023م تحفل بمشاكل وأزمات خطيرة (كثير منها بالمنطقة العربية)... جير معظمها لها العام المنصرم... فهي أزمات قديمة – جديدة. الأمر الذي يبقي الشرق الأوسط بخاصة، كأكثر مناطق العالم سخونة والتهاباً، وقابلية للاضطرابات، والقلاقل، والحروب. وأهم ما يجعله كذلك هما: المسببان العتيدان، وبخاصة الأطماع الامبريالية – الصهيونية فيه، والاستبداد السياسي، وتخبط أغلب أجزائه – فكريا وسلوكيا.

ولا يتوقع أن تنتهي الاضطرابات السياسية في دول المنطقة المضطربة قريباً. ولا يتوقع أن تتخلى إيران، بالفعل، عن سياساتها (التوسعية) ولا عن طموحاتها النووية. ولا يتوقع أن تجنح إسرائيل للسلام. ومعروف، ان أهم «قضايا» المنطقة العربية الساخنة، التي شهدها عام 2022م، تهم العالم أجمع. وأهم تلك القضايا: قضية فلسطين، فالوضع المتوتر الخطير في منطقة الخليج بين إيران وأمريكا، بشأن الملف النووي الإيراني، والتنافس السياسي – الاقتصادي الأمريكي- الصيني بالمنطقة، وغيره. ثم الأوضاع المضطربة في كل من: العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، اليمن، الصومال، السودان، وغيرها. هذا، إضافة الى القضايا العالمية الأبرز، التي تؤثر، ولا شك، في الوضع السياسي الشرق أوسطي.

****

وبالنسبة لجائحة كورونا، وما شابهها، التي نشبت في نهاية عام 2019م، ووضعت العالم في حالة خوف وترقب، وطوارئ واستنفار وقلق، وأحالت الحياة فيه إلى ركود وتدهور صحي واقتصادي كاسح، وبشكل لم يسبق له مثيل، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م، فإنها ستظل وباءً محاصراً.

ويعتقد أن سنة 2023م ستكون السنة التي يتخلص العالم فيها جزئياً من هذا الوباء المدمر، بعد أن تمكن من مكافحة سلالاته بلقاحات مبتكرة وفعالة. وذلك ربما يكفي لتنفس الصعداء... فرحاً بالتخلص من وباء فتاك. ولكن، هناك عدد من الصراعات الدولية التي ينبئ استمرارها، وتفاقمها، خلال عام 2023م، بتواصل واستمرار شبح الحروب المدمرة والمهلكة للبشر.