-A +A
يوسف بن طراد السعدون
غردت الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي على (تويتر) ٢٧ يناير ٢٠٢٣ قائلة «اليوم نحيي ذكرى ضحايا المحرقة اليهودية (الهولوكوست)، فالاتحاد الأوروبي والرئاسة السويدية يقفون بحزم ضد معاداة السامية والعنصرية وكافة أشكال التعصب الأخرى». وعندما أحرق سويدي متطرف نسخة من القرآن الكريم في ستوكهولم، بموافقة وحماية الشرطة، اقتصر حزم الحكومة السويدية ضد معاداة العنصرية على تغريدة لوزير خارجيتها ٢١ يناير ٢٠٢٣ تضمنت «أن الاستفزازات المعادية للإسلام مروعة، السويد تتمتع بحرية تعبير كبيرة، لكنها لا تعني أن الحكومة السويدية أو شخصي نؤيد الآراء التي يتم التعبير عنها».

وحجة حرية التعبير عن الرأي، هو من أتاح الأسبوع الماضي تكرار حرق نسخ من القرآن الكريم في هولندا والدنمارك، وقبلها حوادث الإساءة للإسلام والرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بفرنسا وغيرها. ويتجلى النفاق الغربي بأن تحجب تلك الحرية عن الاحتجاجات المماثلة ضد الصهيونية أو الشذوذ الجنسي، فذلك يعتبر معاداة للسامية ونشراً لخطابات الكراهية والعنصرية يعاقبه القانون.


فلماذا هذا العداء الغربي والكراهية للدين الإسلامي؟ فالعالم الإسلامي لم يرتكب جرائم تجاه الإنسانية تدفع الآخرين لمناصبته العداء. فالحربان العالميتان وإلقاء القنابل النووية، وقتل الملايين من سكان أستراليا الأصليين والهنود الحمر في الأمريكيتين، وإشعال الفتن والحروب في أرجاء الأرض، وغيرها من مأسي الاستعمار، ارتكبها الغرب وليس المسلمين. وهم يدركون ذلك، ولكن لم يقدموا على إيجاد رد فعل حازم يوقف الممارسات المقيتة ضد الإسلام، لأسباب متعددة من أهمها:

1. اعتقادهم الراسخ بتفوق العرق الأبيض على كافة الأعراق. وذلك الاعتقاد ثابت في العديد من مؤلفات مفكريهم التي تمتلئ بعبارات العنصرية والكراهية مثل (نظرية الاستبدال العظيم) لرينو كامو، الذي تعد أفكاره حالياً الملهم لسياساتهم، خصوصاً تنظيمات اليمين المتطرف.

2. رغبتهم في طمس الحقائق لفشل سياساتهم العامة التي أدّت إلى انتشار الفقر والبطالة والجريمة والفساد وانعدام الأمن بدولهم، بإخافة مواطنيهم من الإسلام. فوفقاً لتقرير سكان العالم لعام ٢٠٢٣ عن معدل جرائم العنف بحسب البلد، كان الترتيب العالمي لأعلى جرائم العنف الجنسي: السويد ٢، النرويج ١١، أستراليا ١٢، كندا ١٤، الدنمارك ١٩، بلجيكا ٢١، فرنسا ٢٥.

3. منافاة التعاليم الإسلامية لقيم الغرب المتحررة الداعية إلى الانحلال والإلحاد، والرغبة في حد انتشار الإسلام دولياً. فالغرب يعيش حالياً أزمات نتيجة سقوطهم الأخلاقي الذي ألغى القيم الاجتماعية والدينية. وقد لخّص الكاتب الأمريكي باتريك بوكانان في كتابه «موت الغرب» نتائج ذلك موضحاً أن: ٢٥% من إجمالي عدد الأطفال بأمريكا غير شرعيين وهناك أكثر من ٦ ملايين أمريكي مدمن للمخدرات، وأن معدل الخصوبة للمرأة الأوروبية تدنى إلى طفل واحد لكل امرأة مما سيؤدي إلى انخفاض سكان أوروبا بنسبة تقارب ٧٠% بنهاية هذا القرن.

4. الاختلاف الجوهري بين المسلمين والغرب في النظرة للحياة. فالدين الذي يشكل مرتكزاً أساسياً بالنسبة للمسلمين، لا قيمة له لدى الغربيين في حياتهم. ويؤكد ذلك الأمر استطلاع نشره مركز بيو للأبحاث ١٨ نوفمبر ٢٠٢١ بعنوان (ماذا يعطي الحياة معنى؟ مرئيات من ١٧ اقتصاد متقدم). فقد استحوذ الدين والإيمان، وفقاً للاستطلاع، على نسبة ٢% فقط (المرتبة قبل الأخيرة) من تفضيلات ١٩ ألف فرد بتلك الدول عن ما له قيمة في حياتهم. وسجلت كل من السويد وفرنسا وبلجيكا النسب الأقل في هذا الأمر.

5. الوهن الذي يعيشه بعض العالم الإسلامي، أفراداً ودولاً ومنظمات، لعدم التزامهم بقيمهم وموروثهم، وتقليدهم الغرب والسعي لإرضائه، ما سمح للآخرين بالتطاول على دينهم ونشر الفتنة بينهم والسعي إلى قيادة شاباتهم وشبابهم لدروب الضياع والانحطاط. حتى بلغ الأمر أن يعتمد الغرب والمنظمات الدولية تقارير منظمة صهيونية لمراقبة مناهج التعليم بالدول الإسلامية ويطالب بتعديلها بناء على مرئياتها. وتلك المنظمة هي «معهد رصد السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي» (امباكت IMPACT-se) التي أسّسها الصهيوني يوهانان مانور، الإسرائيلي الجنسية الذي قاد حملة إبطال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المساوي الصهيونية بالعنصرية.

ووفقاً لمتغيرات العصر الذي يشهد ضبابية في النظام الدولي، لا أرى ما يمكن أن يدل على أمل تغير سلوك الغرب. وبالتالي على الأمة الإسلامية إذا ما أرادت العزة والكرامة، أن توحّد مواقفها بالرد الفاعل على كافة التجاوزات التي تمس الإسلام، والالتزام في ذاتها وتصرفاتها بإرشادات المولى عز وجل الواردة بالقرآن الكريم، ومنها:

أولاً: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) [النحل:١٢٥].

ثانياً: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير) [البقرة: ١٠٩].

ثالثاً: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) [الأنفال: ٤٦].

رابعاً: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) [النور: ١٩].

خامساً: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) [الإسراء: ١٦].

سادساً: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) [الأنفال: ٥٣].

سابعاً: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) [البقرة: ١٢٠].

خاتمة:

من أقوال الشاعر رشيد الزلامي:

يا متعب الأقدام ماشي على وين

مع جرة جاها العجاج ودفنها

ارجع وعد خطاك وحدة وثنتين

واكبح جماح النفس والزم رسنها

لا تامن الدنيا ترى وضعها شين

ما عاد به دنيا صحيح بدنها

لا صاروا العقال مثل المجانين

واصبح ردي العرف يامر وينها