-A +A
مي خالد
أظن أني راقبت نشوء البيئة الإعلامية «الحميمية» مثل الكثير من مشاهدي القنوات العربية، وتابعت دموع المذيعات والمذيعين وهي تنهمر بالتزامن مع دموع الضيف الكئيب الذي يفتشون مكنونات نفسه وعقده ومواطن ضعفه ومحطات خذلانه وبؤس طفولته وماضيه، نشأت البيئة الإعلامية الحميمية متأثرة بموجة عالمية من برامج الحزن والدموع والاعترافات، إنها برامج إظهار الضعف المربح، الهشاشة البشرية القابلة للمقايضة لدى المعلنين، الضيوف المشاهير حزانى ومؤخراً أصبحوا مرضى عقلياً أو نفسياً في استعراض لكربهم أمام المشاهد المتعاطف.

حيث أصبح المرض العقلي أو النفسي القابل للتسويق هو المرض الصديق للعلامة التجارية.


أما في وسائل التواصل الاجتماعي فتنتشر الحسابات الحزينة وتشتهر بسرعة، مما يخلق مساحات صادقة تماماً حيث يحصل أولئك الذين يعانون على الدعم والتعاطف والإعجاب، ويتم تشكيل أساليب تلقى أكثر قبولاً للشعور بالسوء بالحزن بالسوداوية وربما بالذنب.

قبل أيام انتشرت حلقة على قناة يوتيوب سعودية شهيرة لشاعر سعودي شاب كان قد تعرض قبل سنوات للتنمر الإلكتروني بسبب طريقة إلقاء شعره، حكى في الحلقة عن مأساة ما حدث وتأثير ذلك على عائلته لدرجة حرمانه من حضور حفل تخرجه، تبع عرض الحلقة موجة كبيرة من الاعتذارات الإلكترونية ومشاعر ذنب وحصل كما هو متوقع على التعاطف والمديح الزائف أيضاً.

العجيب أن ردة فعل الحشود الحالية تماثل ردة فعلهم قبل أعوام حين سخروا من قصيدته، لا أحد تقريباً تناول نص القصيدة لذاتها بمعزل عن شاعرها.

لذا لم تعجبني الحلقة اليوتيوبية الرثائية كما لم تعجبني القصيدة في حينها. ولم أكن من المعتذرين الآن كما أني لم أكن من الساخرين حينها.

لكن هذه المواضيع الحزينة رائجة كما لو كانت علامة تجارية سهلة التسويق. وربما لذلك تكثر قصص النساء المطلقات والأرامل والمعنفات وأولئك الذين يتعرضون لنوبات صرع أو مرض على البث المباشر ويشتهرون بسهولة وخلال فترات قصيرة على منصات التواصل وتستغلهن الشركات الإعلانية لأنهن مادة للحزن وسيحصلن بالتأكيد على الدعم والتعاطف و(التكبيس واللايكات).