-A +A
مي خالد
من المعتاد أن يقال إن إيمانويل كانط أحد أهم فلاسفة التاريخ، لكن لا أحد يصف حياته الانضباطية المملة من وجهة نظري كقارئة معجبة بفلسفته الأخلاقية، أحياناً أقول ربما ليست هذه الحياة المملة إلا النموذج المثالي لمروجي مبدأ الإنتاجية واستثمار الوقت.

لأكثر من 40 عاماً كان هذا جدول حياة كانط: يستيقظ كل صباح في الساعة 5:00 صباحاً ويكتب لمدة ثلاث ساعات بالضبط. ثم يحاضر في نفس الجامعة لمدة أربع ساعات بالضبط. كان يتناول الغداء في نفس المطعم كل يوم. بعد ذلك، في فترة ما بعد الظهر، كان يذهب في نزهة طويلة عبر نفس الحديقة، على نفس الطريق، ويغادر ليعود إلى المنزل في نفس الوقت بالضبط كل يوم.


أمضى كانط الألماني حياته كلها في مدينة واحدة لم يغادرها أبداً طوال حياته، وعلى الرغم من أن البحر كان على بعد ساعة من مدينته، إلا أنه لم يره في حياته.

(وهذا يذكرني أيضاً بأن إسحاق نيوتن لم يرَ البحر أبداً، وبالرغم من ذلك يعتبر نيوتن مكتشف قانون جاذبية القمر وأنها هي التي تسبب المد والجزر. وقد اكتشف ذلك دون أن يرى المد والجزر!).

لقد كان كانط ميكانيكياً في عاداته لدرجة أن جيرانه يستطيعون ضبط ساعاتهم بناءً على الوقت الذي يغادر فيه شقته كل يوم. كان يغادر في مسيرته اليومية من الساعة 3:30 مساءً، ويتناول العشاء مع نفس الصديق كل مساء، ويعود إلى المنزل لإنهاء العمل والذهاب إلى الفراش في تمام الساعة 10:00 مساءً.

مع كل هذه الرتابة والملل التي أتصورها في حياة كانط تذكرت مقولة عمر الخيام: (الرتابة هي السعادة) وسواء كنت تتفق معي أو تختلف حول ذلك، فلا بد أن نجتمع على أن كانط كان أحد أهم المفكرين وأكثرهم تأثيراً في التاريخ الحديث. لقد فعل الكثير لتوجيه العالم من شقته المكونة من غرفة واحدة، فعل أكثر مما فعلت أعظم الجيوش في التاريخ.

فهو كما وصفه ديريك بارفيت، أستاذ الفلسفة الشهير في أكسفورد، بأنه أهم فيلسوف أخلاقي منذ عصر الإغريق القدماء.