-A +A
أحمد الجميعة
متفقون تماماً على أن السياسات والأنظمة واللوائح الإعلامية الحالية بحاجة إلى تحديث ومراجعة عميقة ودقيقة للواقع الذي نعيشه اليوم، فلم تعد السياسة الإعلامية التي مضى عليها أكثر من 42 عاماً قادرة على استيعاب المتغيرات والتطورات التي لحقت بالمجتمع وتوجهاته المستقبلية ورؤيته الطموحة، كما أن نظام المطبوعات والنشر الذي صدر قبل 20 عاماً يحتاج إلى تحديثات بعض مواده لضبط ممارسة النشاط الإعلامي بشقيه الفكري والمهني، ومثل ذلك نظام المؤسسات الصحفية الذي أمضى عقدين من الزمن وأصبح معيقاً في كثير من مواده لتطوير تلك المؤسسات وتعزيز استثماراتها، وكذلك بالنسبة للائحة النشر الإلكتروني التي لا تزال صياغة ضوابطها وتعليماتها إنشائية ومتداخلة مع نظام المطبوعات والنشر، إضافة إلى نظام الإعلام المرئي والمسموع رغم حداثته يحتاج هو الآخر إلى تفسير لكثير من مواده، وتحديداً في جانب تقرير مخالفات المحتوى والإعلان.

كثير من الممارسات الإعلامية والاتصالية لا يمكن استيعابها في ظل هذه السياسات والأنظمة، أو التعاطي القانوني معها، واضطر نظام مكافحة جرائم المعلوماتية في مادته السادسة مثلاً إلى تجريم كل من ينتج محتوى يمس النظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة أو حرمة الحياة الخاصة، وبرزت في هذا الاتجاه قضايا التشهير وإثارة الرأي العام والتحريض باستخدام وسائل الإعلام والاتصال، ومباشرة النيابة العامة لهذه القضايا، والادعاء فيها، والتقاضي حولها حفاظاً على سلامة المجتمع.


حجم التداخل بفعل التطور التقني لممارسات وسائل الإعلام والجمهور في شبكات التواصل الاجتماعي لا يزال كبيراً، ويتطلب إعادة النظر في جميع الأنظمة الإعلامية والاتصالية في المجتمع، من خلال الاحتكام إلى المحتوى بغض النظر عن الوسيلة، وتحديد هامش التعبير عن الأفكار والآراء والحيّز المتاح لتناولهما -أو كما هو محدد بالنقد الموضوعي في البند ثامناً من المادة التاسعة في نظام المطبوعات والنشر-، إلى جانب تأطير السلوك الاتصالي في المجتمع بمصفوفة من القيم الوطنية التي يكون فيها الوطن خطاً أحمر أمام أي تجاوزات تهدد وحدته وأمنه واستقراره.

اليوم حالات الانفلات والتجاوزات في محتوى شبكات التواصل الاجتماعي مخيفة، ومثيرة، ومستفزة؛ بفعل محتوى يبحث عن الإثارة والتأزيم والإرجاف لتسجيل أكبر عدد من المتابعين على حساب مصالح وطنية هي أكبر من أي عدد، أو موقف، أو حتى ظهور مدفوع بأجندات مكشوفة، وأمام كل هذه التفاصيل وأكثر نحتاج إلى نظام أو أنظمة إعلامية واتصالية تجمع الشتات، وتوحّد الأهداف، وتضمن سلامة الفكر قبل الممارسة لمواجهة المستقبل.