-A +A
محمد مفتي
لا تزال أصداء مباريات كأس العالم 2022 تدوي على الرغم من خروج الكثير من الفرق الرياضية تباعاً، ولا أدعي أني خبير رياضي أو محلل يعرف الكثير عن أسرار كرة القدم وقواعدها، غير أنني أرغب في أن أتناول القضية من منظور تحليلي يربط الوقائع بعضها ببعض، ويوضح بعض القضايا التي التبست على البعض فخلطوا بين المفاهيم والنتائج، وتوصلوا لمخرجات غير دقيقة ومشوهة أبعد ما تكون عن الصحة، وما أتناوله اليوم لا يتعلق بتحليل حدث معين بعينه، بل يتناول نظرة شاملة لواقع حدث بالفعل ونأمل في تصحيحه وتطويره خلال السنوات القليلة القادمة.

بداية يجب أن ندرك أنه على الرغم من خسارة المنتخب الوطني أمام بولندا والمكسيك إلا أن الكثير من المحللين أجمعوا على أن أداء المنتخب السعودي كان بطولياً بامتياز، غير أن الظروف لم تواته كثيراً بسبب ضياع العديد من الفرص الثمينة، وقد حاول البعض من هواة النقد وصف ما حدث على أنه فشل ذريع، ولكن من الواضح أنه ليس فشلاً بل مجرد خسارة، ففوز المنتخب السعودي على المنتخب الأرجنتيني -الذي اعتبره الكثيرون نجاحاً أسطورياً- لم يكن وليد المصادفة، كما أنه لم يكن نتيجة أداء عشوائي أو عابراً أو نتج عن ضربة حظ قد لا تتكرر، فقد كان فوزه نتاجاً مباشراً لحسن الإدارة ونتيجة واضحة للجهد المبذول والتدريب لفترات زمنية طويلة، كما كان نتيجة مباشرة لحماس اللاعبين ووطنيتهم.


ربما وضع فوز المملكة على الأرجنتين ضغطاً مضاعفاً على كاهل اللاعبين السعوديين رغبة منهم في الحفاظ على أدائهم المتميز، وعلى الرغم من أدائهم الرائع خلال لقائهم مع كل من المنتخب البولندي والمنتخب المكسيكي إلا أن الأمر لم يكلل في نهاية الأمر بالنجاح، غير أنه في عالم الرياضة لا يوجد فريق منتصر أو خاسر على الدوام، والخسارة هنا قد لا تعني الفشل فشتان ما بين الفشل والخسارة، فقد يخلط البعض بين المصطلحين ويستخدهما بالتبادل وكأنهما يدلان على نفس الأمر وهو أمر غير صحيح.

الفشل هو نتيجة مباشرة لسوء الإدارة أو ضعف الأداء، كما أنه قد ينتج عن أسباب مزمنة مثل الغرور أو الاستخفاف أو الاتكالية أو عدم تحمل المسؤولية أو الإهمال، والتي قد تلم ببعض الفرق لأسباب مختلفة، وهذا الفشل يصعب حله ما لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة لعلاج عوامل الإخفاق، بينما يدل مصطلح الخسارة على معنى مختلف تماماً، فالخاسر ليس –بالضرورة- فاشلاً بل قد يخسر لأسباب كثيرة وقتية، فعلى سبيل المثال هناك منشآت تجارية ناجحة إدارياً بكل المقاييس، لكنها قد تتعرض لخسارة في بعض الفترات بسبب ظروف السوق والخارجة عن إرادة القائمين على الإدارة، وفي هذه الحالة لا يمكن وصف الإدارة بالفشل أو التخبط.

الخسارة لا تعني أن فريقاً ما أفضل من فريق آخر على نحو جوهري، فهناك العديد من العوامل التي تؤثر في مكسب أو خسارة الفرق الرياضية، منها على سبيل المثال -لا الحصر- إصابات اللاعبين، غياب أحد نجوم الفريق لسبب مرضي أو لإيقافه لأي سبب، المكان الذي تقام فيه المباراة، وهل الفريق يلعب على أرضه ووسط مشجعيه أم يلعب بعيداً عنهما، كما يعد التحكيم وفريق المحكمين من أحد أهم العوامل المؤثرة على خسارة أو فوز فريق ما، فكثيراً ما تشكو بعض الفرق من تحيز أو سوء أداء المُحكِّمين وعدم موضوعيتهم، ورغم ذلك فإن حكم الحكم سواء كان متحيزاً أو عادلاً هو الفيصل النهائي، فهذه هي قوانين كرة القدم وبروتوكولاتها.

على مدار تاريخ كرة القدم لم يكن هناك فريق منتصر أو خاسر بصفة دائمة، فالفريق الذي يخسر اليوم قد يفوز غداً والعكس صحيح أيضاً، والكرة مجال معروف بتقلباته، وبعيداً عن تحليل المباريات التي خاضها المنتخب السعودي تحليلاً رياضياً أو فنياً، فإنه من الواضح جداً أن اللاعبين السعوديين في كأس العالم 2022 لم يعانوا من ضعف الأداء أبداً، بل كان أداؤهم قوياً واحترافياً وكانت لديهم جرأة وجسارة ملحوظتان، غير أن رغبتهم في تقديم أروع أداء والحفاظ على الفوز الثمين الذي تم تحقيقه في أول مباراة لهم، والرغبة في اقتناص أهداف جديدة وسط ترقب عالمي وضعهم أمام تحدٍّ صعب ومرهق، ولعله كان أحد أهم أسباب الخسارة.

فوز المنتخبين البولندي والمكسيكي لا يعني إطلاقاً أفضليتهما على المنتخب السعودي، فكلاهما قد خسر جولته أمام الفرق الأخرى مما أدى إلى خروجهما من كأس العالم، والمباريات القادمة قد تشهد خسارة كل من تأهل للجولة القادمة من مباريات الكأس، والفريق الذي سيفوز في تلك الجولة سيدخل جولة جديدة وقد يهزمه أيضاً فريق آخر، فخسارة الفرق أمام بعضها البعض أمر حتمي، فلا بد في هذه المباريات من خاسر وفائز، وفي نهاية مطاف دورة كأس العالم سنجد أن الكل خاسرون ما عدا فريقاً واحداً فقط هو من سيحوز على الكأس، وهو ما يعني بطبيعة الحال أن جميع الفرق التي خسرت ليست فاشلة، بل جميعهم لعبوا بأفضل ما لديهم وأمتعوا الجماهير وأثروا الحقل الرياضي برياضة ممتعة ومفيدة في آن واحد.

من المؤكد أن الهدف الرئيسي من إقامة كأس العالم هو إمتاع الجمهور وتعليمه مفهوم الروح الرياضية، التي تعني تقبل الخسارة بطيب نفس دون تعصب أو تجريح للطرف الآخر، كما تعلمه التحدي والمثابرة والإخلاص والإصرار على الفوز لاحقاً، والإنصاف والموضوعية يحتمان علينا الحكم على أداء فريقنا بعدالة وحياد وتشجيعه على المزيد من العطاء دون إساءة لأي طرف.