-A +A
محمد الساعد
ما الذي يجمع بين السعودية وأمريكا؟ سؤال مهم يجب أن يطرح قبل قراءة العلاقة الممتدة منذ أكثر من ثمانين عاماً. علاقة شابها الكثير من التقارب وأيضاً الاختلاف في إدارة أو قراءة قضايا عديدة في المنطقة والعالم، فلا دين ولا عرق ولا لغة، ولا حتى جوار جغرافي يجمع بينهما!

فقط المصالح المشتركة التي تخدم البلدين، والتي ثبت نجاحها في كثير من القضايا، فمتى ما التقت المصالح سنجد أن هناك نجاحاً كاملاً بينهما.


هناك أمر آخر يحدد العلاقة بين البلدين، فالسعوديون لطالما قالوا إنهم ثابتون في علاقاتهم وصداقاتهم، وطبقوا ذلك حرفيّاً، المتغير هنا كيف يقرأ الرئيس الأمريكي القادم للبيت الأبيض علاقات بلاده مع الرياض، وكيف يتفهم دورها في المنطقة، والمسألة هنا لا تتعلق برئيس جمهوري أو ديموقراطي، فعلى سبيل المثال حققت السعودية مع الرئيس بيل كلينتون (الديموقراطي) نتيجة التقاء المصالح الكثير من النجاحات، وتحفظت على قضايا طرحها رؤساء كانت لها علاقات متميزة معهم، منهم الرئيس دونالد ترمب (الجمهوري) عندما لم توافق السعودية على مشروعه للسلام الإبراهيمي، ورفضت نقل سفارة واشنطن للقدس، وبقيت على موقفها الداعم للقضية الفلسطينية.

التفاهمات السعودية الأمريكية نجحت في تحقيق الكثير من النتائج التي أثرت في تاريخ العالم الحديث، فعندما كان السوفييت يهددون فضاء السعودية ويقتربون من حدودها الأمنية في اليمن الجنوبي والحبشة والصومال وأخيراً احتلالهم لأفغانستان، التقت المصلحتان السعودية والأمريكية في دحر ذلك الخطر، ولم تبقَ الجهود السعودية حكراً على إقليمها، بل امتدت إلى دعم الجهاد الأفغاني ووصل إلى نيكارغوا في أمريكا الجنوبية لأن الشيوعية كانت فكراً مهدداً وغير قابل للتعايش، وهو ما أسفر في نهاية المطاف عن سقوط إمبراطورية الاتحاد السوفيتي.

في عام 1981 وصل الأمير بندر بن سلطان رفقة السيد فيليب حبيب، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للشرق الأوسط إلى بيروت إثر تحول الحرب الأهلية إلى كارثة إنسانية في الإقليم، التفاهم السعودي الأمريكي أثمر عن جهود أوقفت إطلاق النار بين قوات الثورة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية، جاء الاتفاق بعد حرب دامية ذهب ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين والأبرياء كان على رأسها مذبحتا صبرا وشاتيلا.

لم يتوقف التفاهم السعودي الأمريكي على الشرق الأوسط الإقليم المليء بالحروب والصراعات، بل امتد لمساحات سياسية واقتصادية وأمنية حول العالم.

أولاً: التعاون في مجال إمدادات الطاقة، فقد كانت ولا تزال السعودية المزود الأكبر للنفط، وعملت طوال عقود على توفيره بسعر معقول ومستدام، وتفهمت حاجة الولايات المتحدة الأمريكية والعالم لهذه الطاقة المهمة للدورة الاقتصادية، لقد كان لذلك التفاهم أثره في حماية الإمدادات وعدم تأثرها بأي مهددات ونجاح الثورة الصناعية التي بدأت قبل مئة عام.

ثانياً: لم تكن التفاهمات في مجال الطاقة فقط، بل عندما امتدت النيران إلى منطقة الشرق الأوسط مع خمسة أحداث مدوية؛ خروج الشاه من بلاده وانقلاب الخميني الثوري واستيلاؤه على الحكم، واندلاع الحرب العراقية الإيرانية، ثم احتلال العراق للكويت، فضلاً عن الحرب الكارثية في لبنان.

ليثمر التفاهم السعودي الأمريكي عن دحر الخطر الإيراني وعدم نجاحه في هزيمة العراق، وإيقاف الحرب الأهلية في لبنان، ثم إخراج العراق من الكويت بعد إنشاء تحالف دولي كان أساسه الملك فهد والرئيس الأمريكي جورج بوش -الأب- ورئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر.

ثالثاً: في إطار الصراع العربي الإسرائيلي، أعلنت السعودية عن «مشروع فهد للسلام»، الذي تحول ليكون أساساً لمشروع عربي للسلام الشامل في المنطقة، أيضاً التفاهم السعودي الأمريكي كان دائماً ما يجير لصالح الفلسطينيين، وهو ما أثمر عن تعويم منظمة التحرير وتحويلها من تنظيم مصنف أمريكياً كتنظيم إرهابي إلى ممثل شرعي للقضية الفلسطينية.

رابعاً: في البوسنة والهرسك، القضية التي أدمت العالم نتيجة المذابح والمجازر المرتكبة في حق المسلمين وفي وسط القارة الأوروبية، التقت المصالح مرة أخرى لتسفر عن مشروع سلام بين العرقيات الثلاثة؛ الصرب، البوسنة، الكروات، ما أدى لإيقاف الحرب وإنشاء دولة البوسنة المسلمة.

خامساً: في المجال الأمني، كان للسعوديين دورهم المهم في ملاحقة التنظيمات الإرهابية وداعميهم فكرياً وتجفيفهم مالياً، هذا الدور الكبير أسفر عن إنقاذ حياة مئات الآلاف من الأمريكيين والغربيين وكذلك من العرب والمسلمين، ولولا المعلومات الأمنية السعودية لتحولت أمريكا إلى حديقة خلفية للإرهابيين يمارسون أبشع أعمالهم على أراضيها.

اليوم ومع كل الاختلاف في وجهات النظر بين العاصمتين المهمتين «الرياض» و«واشنطن»، فإن المحدد الرئيسي للعلاقة هو التقاء المصالح وتعزيزها، ومن يحلل النجاحات الأمريكية حول العالم سيجد أنها لم تتحقق لوحدها، بل بعد أن التقت مع المصالح السعودية فقط.