-A +A
محمد الساعد
بعد عقد تقريبا من مذابح الشعب السوري على يد النظام الإيراني وممثليه في سوريا، تبدو طهران «اليوم» أشبه ما تكون بدمشق «الأمس»، أو كما يقول المثل ما أشبه الليلة بالبارحة.

في العام 2013م، هاجم النظام السوري غوطة دمشق بغاز السارين المستورد من إيران، كان جنرالات الحرس الثوري يديرون المعركة من قاعدتهم في السيدة زينب خارج دمشق، وفي الوقت نفسه كان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما يستمع للتقارير القادمة إليه من أجهزته الأمنية التي أكدت أن المذبحة حصلت، وهي تضاف للكثير من المذابح المتبادلة في حرب أهلية لم تبقِ ولم تذر، لكنها كانت نتيجة حتمية لتقاعس المجتمع الدولي عن حماية الشعب السوري من نظام قاتل.


لقد حاول السعوديون حينها كشف الجريمة التي ارتكبت في حق السوريين، لكن أوباما الذي وعد بالقصاص، وحدد ساعة الصفر، ألغى العملية العسكرية، وذهب إلى مخدعه في بيته الأسود، ونام دون أن تكدر أحلامه مناظر مئات الأطفال الذين ذابت جلودهم من وقع الغاز السام عليها، كان أوباما مخادعا ولم يكن صادقا أبدا في كل تعاملاته السياسية مع شركائه.

اليوم يرتكب النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة وتحت حكم الديموقراطيين نفس خطيئة التقاعس والتردد مع إيران، وبالرغم من أن السعوديين المخلصين مع شركائهم كشفوا خلال الأيام الماضية عن مخطط لعمليات عسكرية وشيكة ستقوم بها طهران على قواعد عسكرية أمريكية في أربيل العراق وداخل السعودية، لصرف النظر عن المذابح المرتكبة بحق الشعب الإيراني، إلا أن الأمريكان لا يزالون مصرين على ترك الشعب الإيراني الأعزل واقفا بصمت أمام مذبحة كبرى يرتكبها الملالي، والمتوقع أن لا يقف الحرس الثوري عند استخدام الرصاص الحي، فالتاريخ الإجرامي لهم في العراق وسوريا يشير لقدرتهم على قتل ملايين الأبرياء بدم بارد، لقد قتل مليون إيراني على الحدود العراقية خلال حرب الخليج الأولى فقط لأن الخميني أراد أن يقتحم العراق، وليس لدى حلفائه مانع في مزيد من ملايين القتلى من أجل طموحاتهم وبقائهم حكاما في طهران.

وكما كان جون بايدن بجانب الرئيس باراك أوباما العام 2013م، يشاهدون الشعب السوري يذبح من الوريد للوريد، ها هم اليوم 2022 - مع تبادل للأدوار يتأخر أوباما ويتقدم بايدن- يقفون في نفس المشهد، ويشاهدون الإيرانيين يقتلون من نفس المجرمين، المسرح واحد والقتلة أنفسهم، فقط الدماء مختلفة.

خلال فترة رئاسة باراك أوباما نشرت مقابلات صحفية عدة جمعت لاحقا على شكل مقال سميت «عقيدة أوباما»، كشف فيها عن موقفه من سوريا وغيرها من المناطق التي تدمرت بسببه، محملا كل أخطائه حول العالم للآخرين.

ولعل أبرز ما جاء في «العقيدة الأوبامية» حديثه عن الضغوط التي جاءته لحمله على التدخل العسكري في سوريا في أعقاب استخدام السلاح الكيماوي من قبل النظام في دمشق، حيث قال مبررا تخاذله: «إنني فخور جدا بهذه اللحظة، لقد ذهب عني العبء الثقيل للحكمة التقليدية وآلية أجهزة أمننا الوطني. إن فكرة تعرض مصداقيتي للخطر، وإن مصداقية أمريكا كانت على المحك. ولذا كان عليّ أن أضغط على زر التوقف في تلك اللحظة، كنت أعرف أن هذا سيكلفني سياسيا. وحقيقة أنني كنت قادرا على التراجع بعيدا عن الضغوط المباشرة والتفكير في مصلحة أمريكا، وليس فقط فيما يتعلق بسوريا، ولكن أيضا فيما يتعلق بديموقراطيتنا، كان أصعب قرار اتخذته، وأعتقد أنه كان في نهاية المطاف قرارا صحيحا».

تضيف المقالة أيضا: أوباما قاوم المطالب بالتحرك لأنه افترض، بناء على تحليلات المخابرات الأمريكية، أن الأسد سيسقط دون مساعدته، إذ أخبرني، دينيس روس، مستشار الشرق الأوسط السابق لأوباما، أن أوباما اعتقد أن الأسد سيرحل مثلما ذهب مبارك، بإشارة إلى التنحي السريع للرئيس المصري بداية 2011، في اللحظة التي مثلت ذروة الربيع العربي. إلا أن تمسك الأسد بالسلطة لم يزد إلا رفض أوباما للتدخل المباشر.

اليوم يترك بايدن الشعب الإيراني لمصيره المحتوم من أجل إنجاز الاتفاق النووي الثاني، كما فعل سلفه أوباما، إنها نفس العقيدة التي أعلت من شأن العلاقة مع طهران، ولم تلتفت للدماء السورية، ودفعت واشنطن لإرسال رشوة بمليارات الدولارات في طائرات عملاقة إلى طهران لحمل الإيرانيين على التوقيع على الاتفاق النووي ليظهر أوباما كزعيم دولي.