-A +A
رامي الخليفة العلي
غادر الرئيس اللبناني السابق الجنرال ميشال عون مقعده في قصر بعبدا قبل يوم من نهاية فترته الرئاسية، دون أن يشغل المنصب شخصية سياسية أخرى، في سيناريو مكرر عاشه اللبنانيون أكثر من مرة، حيث يشغر موقع الرئاسة لشهور وربما لسنوات. وقبل الحديث عما هو آت، على اللبنانيين قبل غيرهم أن يقوموا بجردة حساب للسنوات العجاف التي عاشتها بلاد الأرز، حيث يصف التيار الوطني الحر (حزب الرئيس) بأنه العهد القوي، ولكن في حقيقة الأمر فإن هذه القوة المزعومة كانت ضعفاً وهواناً، حيث كان الرئيس شاهد زور على تغلغل النفوذ الإيراني دون أن يفعل الكثير، بل جعل بلاد الأرز منصة متقدمة لنظام الملالي. مهما حاولنا تجميل الكلمات فلا وصف آخر لمواقف الجنرال إلا كونها قبولاً بالاحتلال بمقابل منصب الرئاسة، الذي كان يتوق له على امتداد ثلاثة عقود. فقدت الدولة اللبنانية سيادتها خلال السنوات الست وتحول وزير خارجية لبنان إلى مساعد من درجة متدنية لوزير الخارجية الإيراني، فتارة يصب جامه على الدول العربية ويصفها بالبداوة وهي عز وشرف لم يدركه الوزير العتيد، وتارة يدافع عن إيران في اجتماعات الجامعة العربية، بغض النظر عمن تولى المنصب. أما على الصعيد الداخلي فحدث ولا حرج، ولعل مشهد الدمار الذي خلفه انفجار مرفأ بيروت أفضل تمثيل لهذا العهد، فقد خلف الانفجار دماراً هائلاً ومجزرة بشرية حقيقية بنفس الصيغة التي خلف فيها التدهور الاقتصادي دماراً اجتماعياً هائلاً ومجزرة لا تقل بشاعة عن تلك التي خلفها الانفجار، ألم يؤدِ هذا التدهور إلى ركوب الشباب اللبناني مراكب الموت للهروب من دولة الفساد والفاسدين. دخل ميشال عون قصر بعبدا وسعر الدولار لا يتجاوز 1500 ليرة لبنانية وخرج منه وسعر الدولار تجاوز 34000 ليرة، كأكثر المعايير وضوحاً. غادر عون قصر الرئاسة ولم يستطع محاسبة أي من الحيتان الكبرى، بل إن حاشيته نفسها أصبحت جزءاً من منظومة الفساد التي ادعى أن مهمته محاربتها. أما التحالف بين التيار وحزب الله فقد شكل غطاء سياسياً لجرائم داخلية وخارجية، فالرئيس عون مسؤول عن كل جرائم مليشيات حزب الله الإرهابية في سورية واليمن وحيثما وصلت يد تلك المليشيات. كما أن الجنرال مسؤول عن تحويل لبنان إلى قاعدة لإنتاج وتصدير المخدرات، فكل ذلك كان يجري تحت أنظار وسمع الدولة اللبنانية في العهد الضعيف، تحولت الخضار والفواكه التي كانت تجد سوقاً رائجة في دول الخليج إلى وسائل لتهريب حبوب الكبتاغون، حتى أوقفت هذه الدول وارداتها من الفواكه اللبنانية. كل هذه الكوارث هي غيض من فيض في فترة هي الأسوأ منذ تأسيس دولة جبل لبنان قبل قرابة القرن من الزمن.

من الإجحاف نسب كل تلك الكوارث إلى الجنرال ميشال عون، وكلنا يعلم أن الحاكم الفعلي للبنان هو الاحتلال الإيراني عبر ذراعه مليشيات حزب الله الإرهابية، ولكن المؤكد أن الجنرال ارتضى أن يكون الغطاء وأن يشارك في كعكة السلطة الفاسدة، فانتهى إلى وضع أسوأ ممن كان ينتقدهم على مدى سنوات. حنانيك سعادة الجنرال، فعندما تتحدث عن السرقة وعدم المحاسبة وكل تلك الحجج الواهية لتبرير الضعف والفشل يعلم معظم اللبنانيين أنها مجرد ادعاءات فارغة، فحارتنا ضيقة ونعرف بعضاً جيداً.