-A +A
رامي الخليفة العلي
سيطر تنظيم القاعدة الإرهابي على شمال غرب سوريا تحت يافطة هيئة تحرير الشام، وهذا التنظيم يغير من تسمياته كما يغير قائده الجولاني لباسه، كل يوم هم في تسمية جديدة مع الحفاظ على الأساس الأيديولوجي المنتمي إلى ما يطلق عليه السلفية الجهادية، بشكلها الأكثر راديكالية المتمثل بالقاعدة والتي أعلن أبو محمد الجولاني انتماءه إلى التنظيم الإرهابي عقائدياً وسياسياً وربما حتى تنظيمياً. هذه السيطرة جاءت بعد صدامات حدثت خلال الأيام القليلة الماضية بين مليشيات الجيش الوطني التابع لتركيا وتنظيم القاعدة الخاضع لتركيا أيضاً، فكان أن أطلقت أنقرة يد التنظيم ليبسط سيطرته الأمنية والعسكرية على محافظة إدلب وأجزاء واسعة من ريف حلب وصولاً إلى جرابلس. طبعاً هذا لا يعني أن المليشيات التي كانت قائمة قد اضمحلت أو تم تفكيكها، ولكنها ما زالت قائمة في مقراتها باتفاق مع القاعدة يضمن سيطرة الأخيرة على النواحي الأمنية والإدارية والاقتصادية. بقاء هذه المليشيات مرتبط بالمصالح التركية بالدرجة الأولى باعتبارها تعمل مرتزقة لدى أنقرة ترسلها حيث استدعت المصالح التركية، فقد شاركت بعض هذه المليشيات في الحرب الأهلية الليبية وفي الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، كما يمكن أن تستدعيها الحاجة مرة أخرى كوقود للصراع القائم بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية. ما حدث في هذه المنطقة يمثل الحلقة الأخيرة من فشل تركي انعكس على الأوضاع الكارثية التي تعيشها تلك المناطق، ومرة أخرى على الثورة السورية أن تدفع ثمن سيطرة تنظيمات إرهابية كما حدث مع تنظيم داعش الإرهابي، حيث تم تدمير مناطق تواجد التنظيم في الرقة ودير الزور في سوريا، فضلاً عن الموصل وحواضر عراقية أخرى. الأسوأ من ذلك أن هذه السيطرة للتنظيمات الإرهابية تربط ما تبقى من الثورة السورية مع أشد التنظيمات راديكالية والمصنفة إرهابية حتى في تركيا نفسها. وبالتالي الخطوة التركية تدفع هذه المناطق نحو مصيرين لا مناص منهما، التدمير الممنهج لتصفية الجماعات الإرهابية بيد النظام السوري أو روسيا أو التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أو ربما حتى بيد تركيا نفسها إذا ما حصلت على مقابل يستحق، أما المصير الآخر فهو إطلاق رصاصة الرحمة على الثورة السورية أو ما تبقى منها، بحيث تحولت إلى مجرد تنظيم إرهابي هو القاعدة. سماح تركيا لتنظيم القاعدة الإرهابي بالسيطرة على شمال غرب سوريا خطيئة جديدة ضمن سلسلة من الخطايا التي قامت بها تركيا والتي دفعت الثورة السورية ثمنها غالياً، بل وتركيا نفسها دفعت أثماناً باهظة لهذه الأخطاء الإستراتيجية، بدءاً من ترك الوضع في سوريا لكي يتهتك وعدم العمل على توحيد المعارضة العسكرية والسياسية وتركيا هي الطرف الوحيد الذي كان قادراً على ذلك، ثم السيطرة على الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وإضعافه عبر إجباره على الدخول في تفاهمات أستانة والتي عملت على تصفية المعارضة السورية العسكرية من خلال اتفاقية وقف التصعيد. تركيا لا تختلف عن روسيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية من خلال بحثها عن مصالحها، ولكن المختلف بين هذه الأطراف وأنقرة أن هذه الأخيرة مستعدة للتضحية بحلفائها في سبيل الحصول على مكسب، لذلك فالمراهنة على تركيا هو الخيار الأسوأ لدى المعارضة السورية.