-A +A
حمود أبو طالب
كان معرض الرياض للكتاب يعاني من جبهتين متضادتين تصب جام غضبها عليه واستيائها منه، فمن ناحية تقف له جبهة المحتسبين المتشددين بالمرصاد دون كلل أو ملل لأنها ترى فيه تحريضاً على الفساد عندما يتيح للنساء ارتياد المعرض والاختلاط بالرجال، إضافة إلى تهمة الترويج لكتب يرونها مخالفة للدين وخطيرة على العقيدة، وقد منحت هذه الجبهة كوادرها صلاحيات تجاوز الأنظمة وعدم احترام الجهات المسؤولة بالعبث بالمعرض والتطاول على المشاركين فيه، وما زالت المقاطع المصورة من ذلك الزمن القريب توثق الحالة المزرية التي كنا فيها.

وفي جانب آخر كان بعض المثقفين يوجهون لوماً عنيفاً للمعرض لأنه يفرض رقابة مسبقة على الكتب يرون أن فيها تشدداً ومبالغة، وينتقدون البرنامج الثقافي المصاحب له، وعدم كفاءة المسؤولين عنه، ويقدحون في معايير اختيار الضيوف المشاركين فيه، أي أن المعرض كان بين مطرقة وسندان هؤلاء وهؤلاء.


ذلك الوضع كان نتيجة طبيعية للمرحلة التي كنا نعيشها والتي تتسم بالتجاذب العنيف بين من يريدون لا شيء ومن يريدون كل شيء، والضحية المعرض والكتاب والقارئ والمجتمع ككل، لكن تغيرت المرحلة فتغير كل شيء.

الذين حضروا معرض الرياض للكتاب الذي انتهى قبل أيام يجمعون على أنه كان مهرجاناً ثقافياً لا مثيل له في العالم العربي، الذي تنظم بعض دوله معارض منذ وقت بعيد ولديها خبرات في هذا المجال. لقد تجاوز المعرض مسألة عرض الكتب وبيعها من قبل أكبر تجمع للناشرين إلى صناعة ثقافة نوعية متميزة من خلال الندوات والحوارات وورش العمل والأمسيات الفنية بمشاركة عدد كبير من النخب الأدبية والفكرية والثقافية المحلية والعربية والعالمية ليتحول المعرض إلى تظاهرة متميزة تمثل المرحلة الراهنة وتجلياتها المبهجة.

معارض الكتب والنشاط الثقافي عموماً من أهم عناصر القوة الناعمة للدول والمجتمعات، وأعتقد أن اسم معرض الرياض للكتاب سوف يصبح قريباً إذا استمر بهذا الزخم أحد أهم المعارض العالمية.