-A +A
يوسف بن طراد السعدون
أصدرت هوليود عام ١٩٩٥ فيلماً بعنوان: «الرئيس الأمريكي» (The American President)، وتضمن مشهد الكلمة الختامية هجوم الرئيس على أحد خصومه وقوله: إن الشيء الوحيد الذي يجيد عمله هو التخويف من أمر ما، ثم إيجاد شخص للومه على ذلك الأمر، فهكذا تُكسب الانتخابات.

وهذا السلوك، هو ما يمثل النهج الذي يسير عليه بعض من الساسة الأمريكيين في واشنطن على أرض الواقع حالياً. فهؤلاء الساسة مدمنون لوم الغير على المشاكل والأخطاء التي يرتكبونها. وشواهدها في الإدارة الأمريكية الحديثة عديدة، من ضمنها:


• إصدار البيت الأبيض بيان ٥ أكتوبر ٢٠٢٢، أشار فيه إلى أن «الرئيس الأمريكي يشعر بخيبة أمل بسبب القرار قصير النظر الذي اتخذته (أوبك +) لخفض حصص الإنتاج، بينما يتعامل الاقتصاد العالمي مع التأثير السلبي المستمر لغزو بوتين لأوكرانيا». وإلقاء الرئيس بايدن خطاباً بتاريخ ٧ أكتوبر قال «كل ما كسبناه من أجل الشعب الأمريكي سوف يُسلب منا، فتكلفة جميع المواد الغذائية سترتفع وليس العكس، وقد استطعت أن أخفّض أسعار الوقود لكنه يرتفع الآن بسبب ما فعله الروس والسعوديين».

• تحميل الرئيس الروسي بوتين مسؤولية التضخم وارتفاع أسعار الوقود بأمريكا، بقول الرئيس بايدن «سوف تكون هناك تكاليف يتحمّلها المواطن الأمريكي، لأننا اضطُررنا أن نفرض عقوبات على روسيا رداً على حرب بوتين غير المبررة». وهنا تساءلت مقالة بصحيفة (نيويورك تايمز) ١٠ مارس ٢٠٢٢: هل الشعب الأمريكي مستعد ليوافق على لوم بوتين على ارتفاع التكاليف، وليس بايدن جرّاء شنّه الحرب الاقتصادية على روسيا؟

• توجيه البيت الأبيض رسالة بتاريخ ١٧ نوفمبر ٢٠٢١ إلى رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية، تضمنت إلقاء اللوم على شركات البترول والغاز الأمريكية لارتفاع أسعار الوقود، واتهامها بتبني سلوك ضار بالمستهلك.

بينما الحقائق تؤكد، كما أوردت صحيفة (ذا هل) الأمريكية في ١١ يناير ٢٠٢٢ أن «إدارة بايدن اتخذت ما لا يقل عن (٢٥) إجراء أدت إلى رفع أسعار الطاقة، ولن تعترف بتأثيرات سياساتها تلك، ولا يتوقع من الرئيس بايدن أو إدارته أو الليبراليين في الكونجرس أن يتحمّلوا أي مسؤولية عن المشاكل الاقتصادية المتصاعدة في البلد جرّاء سياساتهم الخاطئة». وأوضحت منظمة «أمريكيين من أجل الرخاء» في ٤ ديسمبر ٢٠٢١، أن أسعار المنتجات البترولية بمحطات الوقود الأمريكية ارتفعت حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، نتيجة لسياسات غير صائبة اتخذتها إدارة بايدن، مثل:

• تبنيها لوائح جديدة تحكم انبعاثات الميثان من إنتاج البترول والغاز ونقله وتخزينه وتوزيعه، تكلف مليار دولار سنوياً.

• تقييدها وإعاقتها مشاريع الطاقة، بإيقافها إيجار مشاريع البترول والغاز الجديدة على الأراضي والمياه الفيدرالية، وإلغائها خط أنابيب (Keystone XL)، وتعليقها عقود إيجار البترول والغاز بمحمية الحياة البرية الوطنية في القطب الشمالي ونيو مكسيكو، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف إنتاج الطاقة.

• وضعها سياسة جديدة لضرائب الكربون في أسواق الكهرباء، وفرضها تكاليف جديدة على توليد الطاقة وضرائب إضافية على الغاز الطبيعي والتدفئة المنزلية والبترول والتصنيع لدعم تمويل أجندة برنامجها «الصفقة الخضراء الجديدة».

وخلاصة القول إن «السياسيين الأمريكيين وقعوا في مصيدة اللوم، بتوجيه اللوم إلى خصومهم من أجل إرضاء مؤيديهم السياسيين وكسب أصوات الناخبين للفوز بالانتخابات. وترسخ هذا النهج لديهم حتى أصبح الوضع الطبيعي، جرّاء الانقسامات والتنافسات الحزبية. وستستمر مصيدة اللوم في إرباك صانعي السياسة الأمريكية طالما استمروا بتصديق أن إخافة الخصوم بإلقاء اللوم عليهم سوف تدفعهم لقبول مواقفهم». ذلك ما أورده الدكتور كنت ويفر (R. Kent Weaver) الأستاذ بجامعة جورج تاون في مقاله «القيادة السياسية ومصيدة اللوم» المنشور مارس ٢٠١٣ ضمن دراسات الحوكمة الصادرة عن مؤسسة بروكينجز.

والمملكة العربية السعودية بقدراتها السياسية والاقتصادية ومكانتها الدينية، تمثل الثقل العربي والإسلامي الذي لا يمكن تجاهله في مسارات قضايا منطقة الشرق الأوسط والعالم. وسجلها في الدفاع الصادق عن المصالح الوطنية والعربية والإسلامية والإنسانية واضح ومشرف منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله، حتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين. لذلك لا يستغرب أن تكون دوماً في مرمى اتهامات الساسة الأمريكيين، خصوصاً خلال الانتخابات، لإرضاء مؤيديهم السياسيين من جماعات الضغط ولإخفاء فشلهم وسلبية أدائهم أمام الناخبين.

وهذا السلوك السياسي الأمريكي ليس وليد اليوم، ولن يختفي غداً، ويتكرر ضدنا منذ عقود. والقيادة السعودية الرشيدة مدركة أهدافه، وتتعامل معه بحكمة، وتعمل بثقة ولا تهاب، واضعة نصب عينيها دوماً المصلحة الوطنية والازدهار والسلام إقليمياً وعالمياً. وقد يكون من المناسب في ظل الأوضاع الدولية الراهنة السعي نحو:

1) تأطير وتطوير نشاط الإعلام السعودي الخارجي بشكل أقوى لضمان أداء أكثر فاعلية وتأثيراً بين الجماهير في أمريكا والغرب، بإطلاعها المتواصل على حقائق السياسات السعودية.

2) استباق الحدث والاستعداد له، ولا تكون مواقفنا رد فعل على تصريح هنا أو هناك، بل أن نكون فاعلين مؤثرين في صنع التوجه للرأي العام الدولي.

خاتمة: من أقوال الشاعر سعد بن جدلان:

لا شيمة عرب ولا قوانين

لا فكر لا تمييز لا حسن ظنا

قوم ولاة امرهم مستخفين

لا يمكن انها بالسعادة تهنا

ولا يخوفنا هدير البعارين

تخشى جمال القوم هدرة جملنا

الشر ننطح به وجيه الشريرين

ومن قدم الحسنات خذا ما تمنا