-A +A
بشرى فيصل السباعي
للأسف إنه في عصر العلم صارت التوجهات العامة العالمية تصاغ بالأهواء العبثية، ويقمع العلم والعلماء عن الإدلاء بالرأي العلمي في القضايا المثيرة للجدل، التي صارت موضة بسبب تبنيها من قبل المشاهير ووسائل الإعلام وصناعة الترفيه ومنصاتها وقنواتها، فمؤخرا المعلق السياسي والإعلامي الأمريكي الساخر والملحد المعادي للأديان بشراسة «بيل ماهر» تجرأ على ما لم يعد يتجرأ عليه أحد، وهو انتقاد ظاهرة الترويج للشذوذ وتشجيع عمليات التحول الجنسي بدون سبب طبي حقيقي وعرض رسما بيانيا لنسبة الشواذ بالمجتمع الأمريكي، حيث كانت بالأربعينيات من القرن الماضي أقل من 1% ثم 4% بالستينات ثم 10% بالتسعينات وحاليا 28%، وإذا استمر هذا المنحى المتصاعد بهذه الوتيرة سيصبح جميع الأمريكيين شاذين جنسياً في عام 2040، وانتقد بشكل خاص تشجيع الأطفال على الشذوذ والتحول الجنسي، وقال إن صغار السن باتوا يقبلون عليه فقط؛ لأنه صار الموضة بسبب كثافة الترويج له. وهناك طوفان من الأبحاث والدراسات العلمية التي تبين مدى الأضرار الجذرية التي تلحق بالصغار جراء كل التشريعات المتعلقة بتطبيع الشذوذ، أي جعله كأنه طبيعي بأمور لها آثار مدمرة على الصغار كعيشهم مع زوجين شاذين، لكن الأهم هو بيان أنه قبل أن يتحول الأمر إلى موضة لا يجرؤ أحد على مناقشة مدى أخلاقية الترويج لتطبيعها، فاضطراب الهوية الجنسية هو تبع لمرض واضطراب إدراكي نفسي آخر يسمى Body integrity identity disorder /‏ Body integrity dysphoria - متلازمة سلامة الهوية الجسدية، ولمعرفة مدى تطابقه مع حال الشذوذ بالهوية والميول الجنسية يجب مشاهدة الأفلام والبرامج الوثائقية التي توثق حالات أشخاص مصابين بهذا المرض، وهي صادمة بحق لأنك ترى فيها أشخاصاً أصحاء لا يعانون طبياً من أي مرض أو خلل عضوي أو عقلي ونفسي، لكن كل حياتهم تتمحور حول الهوس والرغبة الملحة لبتر أطرافهم أو إصابة أنفسهم بالعمى أو الشلل، فبعضهم وضع أطرافه تحت القطار، وآخرون وضعوا أطرافهم في الثلج الجاف، وآخرون استعملوا مناشير كهربائية لقطع الشجر لبترها أو حاولوا بترها بضربة فأس، وآخرون صبوا أحماضا كاوية في عيونهم لإصابة أنفسهم بالعمى، لذا قام أكثر من طبيب بإعلان أنه مستعد لإجراء عمليات بتر للأطراف السليمة لهؤلاء رغم مخالفتها للقوانين الطبية، واحتج أمام المحكمة بالأمور الخطرة التي رأى المصابين بهذه المتلازمة يفعلونها لكي يقوموا ببتر أطرافهم السليمة والتي قد تعرضهم للموت، فتم السماح لهم بإجرائها في بعض البلدان، وهذه الرغبة تبدأ لديهم منذ الطفولة عادة، لذا يقولون إنهم كانوا يقومون وهم أطفال بأمور مثل ربط وإخفاء الساق التي يريدون بترها ويصرون على التصرف كأنها مبتورة أو يصرون على استعمال الكرسي المتحرك رغم أنهم غير معاقين؛ لأنهم يصرون على أن هويتهم الجسدية هي أنهم مشلولون وعندما يكبرون يتنقلون بين الجراحين بحثا عن من يوافق على إقامة عملية بالعمود الفقري تصيبهم بالشلل، ولازال الأطباء والعلماء لا يعرفون السبب المحدد وراء هذه المتلازمة والتي غالبا لا يمكن علاجها نفسيا ويبقى الشخص مصرا على البتر أو إصابة نفسه بالعمى، وعندما يقوم ببتر أطرافه أو يصيب نفسه بالعمى يقول إنه كان أسعد يوم في حياته؛ لأنه أخيرا شعر أنه في الجسد الصحيح وقبل ذلك كان يشعر بالغربة عن جسده، وأن ذلك الطرف لا يمثله ولا ينتمي إليه. لكن التفسير العام أنه في الدماغ خريطة عصبية إدراكية عاطفية عن الجسد، ويبدو أنه قد يصيب خريطة الجسد بالدماغ خللاً ما يجعل الدماغ لا يتعرف على أجزاء من الجسد على أنها تخصه، وهناك علل أخرى تحصل فيها مثل هذه الحالة نتيجة إصابة الدماغ بتلف عضوي سواء بالحوادث أو الجلطات، Somatoparaphrenia ،Asomatognosia وعندما رفض المجتمع الطبي القيام بعمليات بتر الأطراف السليمة لهم لتتوافق مع هويتهم العقلية النفسية كمعاقين احتجوا بقيام الأطباء ببتر واستئصال الأعضاء التناسلية السليمة في عمليات تحويل الجنس، وبهذا أمكنهم الحصول على إذن لإجراء عمليات بتر لأطرافهم السليمة وهكذا وجد المجتمع الطبي نفسه في مأزق أمام هذه الحجة المنطقية التي أعادت الموضوع لأصله، مع ملاحظة إضافية أنه تم تسجيل وجود ارتباط بين الرغبة الجنسية وبين إرادة بتر الأطراف غير المرغوب فيها ولا يعرف العلماء السبب. المهم، إن هذا يثبت أن وراء شعور الشخص بعدم التوافق مع الهوية الجنسية لجسده والميول الجنسية الطبيعية آلية مَرَضية تتعلق بوجود اضطراب وخلل في خريطة الدماغ عن الجسد، ويجب التركيز على إيجاد علاج لها-تجارب الدكتور V. S. Ramachandran- وليس تطبيعها بجعلها موضة رائجة وقمع العلم والطب عن الإدلاء بالرأي العلمي الطبي المعارض لمضمون التيار الذي جعلها موضة رائجة، وصار يفصل الناس من أعمالهم ويغتالهم معنويا ويدمر حياتهم ومستقبلهم إن رفضوا المشاركة في تشجيعها والترويج لها!