-A +A
حسين شبكشي
اعتاد الجمهور السعودي على مشاهدة أعمال تلفزيونية جريئة سواء كانت تحمل الطابع الكوميدي كما هو الحال في معظمها أو الدرامي في القليل منها، وذلك خلال فترة شهر رمضان المبارك منذ ما يقارب العقدين من الزمن الآن. وتتطرق هذه الأعمال عادة إلى العديد من المشاكل الاجتماعية والفكرية التي شغلت النسيج الاجتماعي والعلاقات البينية داخل المجتمع السعودي لفترة ليست بالقليلة من الزمن، وتتفاوت طبعا هذه الحلقات ما بين الجريء منها والساخر في محتواه.

ومنذ ثلاث سنوات انشغل الجمهور السعودي بمتابعة عمل درامي جديد ومختلف يسرد حقبة زمنية معينة تتعرض له أسرة سعودية رمزية، ومن خلاله يتم إبراز الكثير من الأحداث والوقائع التي حدثت للمجتمع السعودي ككل، وهذا المسلسل المعني هو «العاصوف» الذي تعرّض للكثير من التقلبات الاجتماعية والأفكار المتطرفة الحادة والتي تركت بصماتها الواضحة الملامح على تركيبة المجتمع السعودي. ولعل أهم ما يقدمه العاصوف خلال أجزائه الثلاثة هو تشريح واضح لحقبة الثمانينات الميلادية من القرن الماضي للمجتمع السعودي، تلك الحقبة التي أفرزت التطرف والتشدد والتنطع والذي ولد من رحم كل ذلك الإرهاب بعينه، وأيضا كانت حقبة زرعت فيها بذور الفساد الواضح في التعاملات المختلفة ما بين الإدارات والمحسوبين عليها. ولعل أدق توصيف لهذه الحقبة التي تركت آثارا مؤلمة ومكلفة هي الحقبة «الرخوة»، لأن ما حدث وقتها دفعنا ثمنا كبيرا من بعده كمجتمع سعودي حرم من نعمة الحياة الطبيعية، واختفت فيه البسمة وضاعت معه الأحلام.


بطبيعة الحال مسلسل العاصوف لم يكن وصفا توثيقيا لتلك الحقبة ولكنه يقدم لمحات درامية عن أحداث معينة وأفكار معينة، وتصرفات معينة حولت حياة أسرة، والتي يرمز إليها كصورة مصغرة للمجتمع السعودي بأسره إلى حياة مليئة بالتناقضات والتجاذبات والتقلبات، كثير منها كان من الممكن تفاديه لو تم مواجهة تلك المسائل بشكل حازم ومختلف. من المهم جدا أن يتم تقديم العمل الدرامي الذي يشرح ما حصل في مجتمعات الدول والشعوب لأنه بذلك يوثق ويؤرخ ولو بشكل درامي حقبا مهمة ستصبح بمثابة مخزون جمعي للذاكرة لأجل عدم الوقوع في نفس المشاكل ونفس المصائب ونفس المعاناة بعد ذلك مجددا.