-A +A
عبداللطيف الضويحي
تولد مهنٌ وتسود على حساب مهن أخرى تأفل وتنقرض وتختفي إلى الأبد عبر زمن طويل لا ندرك في الغالب أو في زمن قصير ندرك ونعي خلاله تلك التحولات والتبدلات مثلما هي المعركة الشرسة التي تخوضها الكثير من المهن والحرف والصناعات مع الذكاء الصناعي وعالم الرقمنة المتسارعة وما تخلفه من نتائج وتبعات كبيرة على سوق العمل وفيه. أصبحنا لأول مرة نرى تلك التحولات والتبدلات تحت مجهر الرصد والمتابعة في أسواق العمل والتفاعل السريع الذي تحدثه على الصعيدين المهني والأكاديمي، سواء مع ما ينقرض أو مع ما يولد من مهن جديدة.

مهنة طب الأسنان ليست استثناءً، فمع إشراقة كل صباح يحتفل عالم «الكم» بعيادة أسنان جديدة أو بأكثر، لكن عالم «النوعية» يستمر بحصر الخسائر المستمرة والمتراكمة، التي هي بدون شك على حساب «مهنة» طب الأسنان. مع أن «الكمية» ليست شرا دائما، بل إن «ثقافة الكمية» تكون سببا أحيانا بخلق «ثقافة النوعية» إلا في حالة طب الأسنان هناك انفصال وقطيعة بين الحالتين!


وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلا: هل طب الأسنان مهنة، أم صناعة، أم تجارة، أم زراعة، أم دكان؟ وهل هناك علاقة بين ما يدرس في كليات طب الأسنان وما يمارس في العيادات؟ أذكر أن في بعض الدول المجاورة وبعض الدول الآسيوية، تمارس مهنة طب الأسنان مثلما هي الحلاقة، حيث يفترشون الأرصفة ويتم خلع الأسنان بعِدَة السباكة والمواد العشبية، فهل هذا يضع علامة استفهام على هوية طب الأسنان ومدى علاقته بالطب؟ فهل طب الأسنان هو طب شعبي وليس علما وتخصصا أكاديميا؟

ولأن السؤال بالسؤال يذكر، هل تعرفون عيادات طبية تفتح في الأحياء السكنية وفي تقاطعات الطرق بكميات وأعداد عيادات الأسنان؟ ومع ذلك هل هناك بطالة بين خريجي كليات الطب أعلى مما هي عليه بطالة خريجي طب الأسنان؟

أين الحلقة المفقودة بين الأعداد الكبيرة لعيادات الأسنان وحجم البطالة الكبير بين خريجي كليات الأسنان؟ والسؤال الآخر: أين الحلقة المفقودة الأخرى بين الأعداد الكبيرة لعيادات الأسنان وارتفاع تكاليف علاج الأسنان لدرجة أن البعض يسافر إلى أقصى الشرق بسبب تكاليف العلاج مما جعل إحدى الدول المعروفة بطب الأسنان في شرق آسيا تتنبه لأعداد القاصدين لها بغرض علاج الأسنان مما انعكس مؤخرا على زيادة بتكاليف علاج الأسنان؟

هناك سؤال محير في عالم صناعة ثقافة تجارة زراعة طب الأسنان وهو أين الحلقة المفقودة في التخطيط بين 26 كلية لطب الأسنان وسوق العمل الفائض بالعيادات والمحجم عن استيعاب خريجي طب الأسنان والمرتفع التكاليف؟ نحن بحاجة إلى ذكاء غير صناعي ليفك لنا اللغز المحير في معادلة طب الأسنان الأزلية هذه.

لماذا يتأخر طب الأسنان عن سائر مجالات الطب المتقدمة لدينا؟ لماذا الفجوة المتزايدة بين طب الأسنان في المملكة وبقية أنواع ومجالات الطب؟ يكفي أنني خلال سنة أو سنتين تنقلت بين ما لا يقل عن سبع عيادات أسنان، بينها عيادات أسنان في مشفيات مرموقة، ولم أجد حتى الآن العيادة التي تحقق ما أفهمه وما أظنه وما أتوقعه بعد كل زيارة لعيادة الأسنان!

أخيرا، أظن أن طب الأسنان بحاجة إلى مرجعية إدارية ومهنية وعلمية موحدة تقضي على كل هذه التناقضات وتردم كل الفجوات السابقة، وأنا على يقين بأن هناك كوادر طبية للأسنان مهمة وبارعة، لكنها ربما لم تأخذ فرصتها أو لم تقيض لها الخطة والتخطيط مكانا مناسبا. من المؤكد أن هناك عملا لكنه بحاجة إلى رؤية ومراجعة في ضوء المستجدات التنموية وفي ضوء معطيات الذكاء الصناعي والرقمنة وما جاءت به من مستجدات وما فرضته من تحولات.