-A +A
أنمار مطاوع
الشّأن في اللغة هو: الخَطْبُ والأَمْرُ والحال. واليوم هو الآنيّة؛ أي كل وقت من الأوقات وكل لحظة من اللحظات. وفي الآية الكريمة: ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ الشأن هنا ليس بذات الله سبحانه وتعالى.. فهو جل جلاله لا يطرأ عليه تغيير ولا أحوال.. إنما هو شأن ما يفعله سبحانه وتعالى بخلقه.. وما يستحدث من أحوالهم.. وما يدبّره في علاه في كل آن لهم.

وقد أشار بعض المفسّرين إلى أن هذه الآية الكريمة تشير إلى جُل أسماء الله الحسنى وصفاته العليا.. وتحوي أسرار ملكوته الأعلى.. فهي تدل على عظمته تعالى، فكل خلق الله في السموات والأرض -منذ خلق الخلق- يسأله من كرمه ورزقه وعفوه وقوته.. وهو يعطي وينفق.. وما زالت يمينه ملآى ما نقص منها شيء.. فكل ما خلق وأعطى يطويه بيمينه يوم القيامة؛ يقبض السماوات كلها بيده الكريمة والأرض باليد الأخرى ثم يهزهن ثم يقول: (أنا الملك.. أنا الملك.. أنا الذي بدأ الدنيا ولم تكن شيئاً.. وأنا أعيدها كما بدأتها).. هذا الملك العظيم.. حقا.. هو أهل الرجاء.


مفهوم: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ.. فيه ملاذ لكل محتاج.. ولكل سائل.. وكل مكروب.. فهو دلالة على اسم الله الغني بذاته.. ودلالة الجود والكرم.. ودلالة افتقار كل المخلوقات إليه. كل هذا الكون لا يستغني عن الله طرفة عين أو أقل.. المخلوقات كلها تسأله وشأنها الفقر والحاجة.. وهو سبحانه وتعالى شأنه العطاء والتدبير.

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، عن الشأن فقال: من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرّج كربا، ويرفع قوما ويضع آخرين.

كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ.. يغني فقيراً، ويجبر كسيراً، ويعزّ ذليلا، ويعافي مريضاً، ويفك أسيراً، ويجير مكروباً.. ويذل عزيزاً لو شاء ويفقر غنياً لو شاء ويذل جباراً لو شاء.. في كل آن له فعل وتدبير.. يرسل رسله من الملائكة ومن البشر -أي وقت شاء- لتنفيذ أوامره وسوق مقاديره التي قدرها على خلقه.

من يؤمن حق الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى في كل يوم هو في شأن.. لن يلجأ إلا إليه جل جلاله ولن يطلب إلا منه.. فهو لا يتبرّم من إلحاح الملحين ولا طول مسألة السائلين.. فهو الكريم الوهاب الصبور.

روى الطبراني بسنده إلى النبي ﷺ أَنَّهُ قَال: (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لَوْحاً مَحْفُوظاً.. ينظر فيه كل يوم ستين وثلاثمئة نظرة، يخلق ويُحيي ويُميت، ويعزّ ويُذلّ، ويفعل ما يشاء) ولو كان المقصود هنا يوم الأرض فهذا يعني أنه جل جلاله ينظر إلى اللوح المحفوظ كل (4) دقائق.. ينظر في شؤون عباده ويدبّر أمرهم خلال دقائق معدودات على مدار الزمن والسنين.. يجيب الداعي ويشفي المريض ويفك الأسير ويرزق الفقير..

الإيمان بأن لله في كل آن شأناً.. يعني أن يتعلق العبد بالله تعالى ولا يسأل أحداً غيره.. ويطمئن ويسلم أمره لله. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي عليه السلام فقال في الحديث: (..إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ..).

من يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى في كل آن هو في شأن.. يستشعر فقره الدائم لله.. ويلزم الرجاء والخوف منه تعالى.. ويظل متعلقاً به في كل لحظة: يرجوه ويخافه ويطمع في كرمه.. ويعرف أن تبدل الحال يأتي في لحظة مشيئة منه سبحانه وتعالى.. فهو الملجأ وهو المالك.. وهو نعم الوكيل.