-A +A
عبداللطيف الضويحي
ليس صدفة ولا يمكن أن يكون بالخطأ أن يتم تمكين إسرائيل وإيران من قدرات وبرامج نووية، في منطقة غالبيتها هم العرب دولاً وشعوباً. وفي نفس الوقت وبطريقة مكشوفة لا يسمح للدول والشعوب العربية بامتلاك سلاح نووي.

فالسلاح النووي كما هو معلوم هو سلاح ردع في المقام الأول، ولا أحد يستخدم سلاحه النووي ضد طرف يملك ذات السلاح لأن النتيجة مدمرة للطرفين، ولذلك يجب أن نكون على يقين بأن لا إسرائيل ولا إيران ستستخدم سلاحهما النووي ضد إيران وإسرائيل. لكن طهران وتل أبيب لن يترددا في استخدام ترسانتهما النووية إذا كانت الأرض عربية أو الشعوب عربية، وبضمير مرتاح، نظراً لكمية الكراهية والحقد والضغينة لدى تل أبيب وطهران ضد كل ما هو عربي. ولعل ما يجري في سوريا والعراق نماذج لمواجهات غير نووية، تعكس ما ستكون عليه المواجهة النووية فيما لو نشبت حرب نووية أو عالمية.


إن النظام العالمي الغربي الأحادي القطب هو امتداد مستمر ودائم للاستعمار الفرنسي والإنجليزي والأوروبي للبلاد العربية وغيرها من بلدان العالم. فذلك الاستعمار وهذا النظام العالمي هو من نَزَعَ برنامج الجزائر النووي وهو من نَزَعَ برنامج مصر النووي وهو من دمّر برنامج العراق النووي، وهو من سيستمر بالحيلولة دون تمكين العرب نووياً، وهو من مكّن إسرائيل نووياً وهو من يمكّن إيران نووياً حالياً.

إن النظام الغربي العالمي، إذا استمرت قطبيته الأحادية، سوف يسعى لتمكين كل الأقليات الإثنية غير العربية في المنطقة نووياً، مهما صغر حجم تلك الأقليات أو حتى ذابت لغات تلك الأقليات أو اندثرت ثقافاتها، لكن هذا النظام العالمي الغربي الأحادي القطب سوف يتصدى إعلامياً وعسكرياً ضد تمكين أي بلد عربي نووياً بقائمة طويلة من الاتهامات تبدأ بالبيئة والمناخ والتلوث ولا تنتهي بحقوق الإنسان.

من المؤسف القول إن التطورات الدولية والإقليمية في السنوات الأخيرة تحتم دخول العرب في نادي سباق التسلح النووي. حيث تكشفت أهداف هذا النظام العالمي الغربي الاستعماري أحادي القطب، الرامية لتمكين دول الأقليات في منطقة الشرق الأوسط نووياً على حساب دول الأكثرية العربية. فهذه إحدى تجليات الاستعمار الغربي القديم الجديد التي تحول دون إيجاد مشروع عربي ينسجم مع الأكثرية العربية في المنطقة، وينسجم مع معطيات الحضارة العربية الإسلامية عبر التاريخ وينسجم مع إمكانات العقول العربية وينسجم مع المصلحة الاقتصادية العربية. لكن الدخول العربي للنادي النووي ليس مفتوحاً وليس سهلاً، والشواهد على ذلك كثيرة وعديدة.

فهذه الأكثرية العربية في المنطقة دولاً وشعوباً لا يمكن لجم طموحها وتحجيم مشروعها النهضوي الحضاري الاقتصادي إلا بإشغالها أمنياً وهز وجودها من خلال التمكين النووي لكل ما هو غير عربي.

لقد كشف زلزال أوكرانيا حجم استماتة الأوروبيين للحفاظ على بقاء النظام العالمي الغربي الأحادي القطب، فوقفوا حتى ضد مصالح أوروبا الاقتصادية والأمنية المباشرة، في سبيل إبقاء النظام العالمي أحادي القطب، والحيلولة دون مشاركة قمرة القيادة من دول صاعدة جديدة. لكن المؤشرات قبل وبعد الهروب الأمريكي الكبير من أفغانستان تقول إن أمريكا لا تملك من مقومات القوة سوى القوة العسكرية بل قد تجد نفسها في المقعد الخلفي بعد وقت غير قصير.

فإذا أفلتت قوة أمريكا وغابت شمس النظام العالمي الأحادي القطب، فالعرب يجب أن يكونوا سعداء بذلك، فالعرب أكثر من تضرر من النظام العالمي أحادي القطب. هذه الحقبة هي مرحلة إعادة تشكيل التحالفات في العالم ككل، والعرب ليسوا استثناء، لكن ليس من الحكمة أن يستدير العرب استدارة كاملة ضد الغرب. فكل قوى العالم مهمة ومن المهم الحفاظ على علاقات مع الجميع ما دامت علاقات ندية وتحالفات في مصالح الدول العربية.

لقد عانت أمتنا العربية رغم ما تملكه من عقول وحضارة، (عمِل الغرب على طمسِ معالمها وتقطيع أوصالها وسرقة منجزاتها) ورغم ما لديها من مقومات حيوية وبما لديها من موارد بشرية وطبيعية. ولذلك فإن نظاماً عالمياً متعدد الأقطاب سيكون من مصلحة العرب دولاً وشعوباً. ومن مصلحة دولنا العربية العمل على علاقات وتحالفات دولية ندية تليق بها وتستحق دولنا العربية علاقات دولية تحترم الأكثرية العربية دولاً وشعوباً في المنطقة. وليس كما أراد الغرب وديموقراطيته القميئة، حيث أراد طمس الأكثرية وتمكين الأقليات نووياً، لكي تكون الكلمة الفصل في حاضر المنطقة ومستقبلها في يد الأقليات النووية وليس في يد الأكثرية العربية دولاً وشعوباً.