-A +A
عقل العقل
هيئة النقل العام في لندن أطلقت حملة منذ أشهر ضد التحرش الجنسي ضد النساء في قطارات العاصمة البريطانية، حملة الإعلانات هذه قوبلت من البعض بعدم التصديق خاصة أن المقصود بالتحرش الجنسي في هذه الحالة هو «التحديق بالنظر» من البعض تجاه الآخرين والذي يرى عمدة وشرطة لندن أنه يدخل في باب التحرش الجنسي، البعض يستغربون ويتساءلون عن كيفية معرفة نية المحدق أن كان ينظر ويحدق بنية جنسية أو أنه ينظر ببراءة وأعجاب لمن يجلس أو يمر أمامه، والغريب أن الحملة لم تضع المتحرشات من النساء تجاه الرجال من ضمن هذه الحملة، يعني أنه يحق للنساء التحديق والبحلقة بالكيفية والمدة التي يرغبنها ولا أحد يحاسبهن، تخيل مثلاً أنك تسافر إلى لندن في إجازة صيفية من دول ترى التحديق جزءاً عادياً من ثقافتها ليس تحديقاً في النساء فقط بل في كل ما هو حولك متحرك أو ثابت، فماذا سوف تفعل الشرطة البريطانية مع هذه النوعية من الناس من المحدقين على طول الخط وهم بالفعل غير ملامين، فهذه ثقافتهم ويصعب عليهم الانفكاك منها مهما تغير المكان، بعضنا مسألة «التبحلق» الحاد يعتبرها حقاً أصيلاً له، وأتذكر كثيراً من المواقف التي يساء الفهم فيها وخاصة عند إشارات المرور بسبب التبادل الحاد للنظر للبعض وقد تتطور تلك النظرات إلى اشتباك بالأيدي والسبب قد تكون نظرة بريئة.

يخطئ من يعتقد أن التحديق هي فقط من عادات شعوبنا التي يرى البعض أنها من باب اللقافة، أنها عادة إنسانية لكل شعوب العالم بل قد تكون عند النساء أكثر من الرجال في بعض الأحيان، من كان له تجربة استخدام شبكة الأنفاق بالعاصمة البريطانية يلاحظ أن الغالبية العظمى من مستخدمي المترو وخاصة في الأيام العادية يقضون أغلب أوقاتهم في مراجعة أو قضاء أعمالهم المكتبية أو في قراءة الصحف والكتب بشكل عام، وهذا لا يعني أنه لا يوجد تحرش تجاه النساء والفتيات من البعض وخاصة في إجازات نهاية الأسبوع، العاصمة البريطانية من المدن الأكثر تغطية بالكاميرات فكل جزء من المدينة تحت سلطة التصوير المباشر من شبكة الكاميرات هناك، ولكن القضية كيف لمثل هذه التقنيات الرقمية المتقدمة أن تخبر رجال الأمن أن ذاك الشخص يحدق ويبحلق بطريقة جنسية شهوانية فهذه التقنيات لا تقرأ الأفكار ولا تستطيع أن تفسر هذه الحركات الإنسانية أن كانت شريرة أو مسالمة.


في مجتمعنا وحالة الانفتاح الإنساني الطبيعي التي نعيشها الآن علينا الترصد للمتحرشين وخاصة للنساء العاملات في المكاتب مع زملائهن الرجال، أولا من خلال تشجيع المرأة العاملة بعدم التهاون بقضايا التحرش حتى لو كانت عن طريق مزحة أو استخفاف دم من البعض، وأن يكون هناك جهات داخل المؤسسات العامة والخاصة تضمن عدم وجود حالات تحرش فعلي أو لفظي أو حتى بالتحديق والتلصص فكلها أمور قد يراها البعض بسيطة ولكنها قد تقود إلى جرائم كبيرة بحق الغير. علينا ألا نلتفت إلى من يرددون أن التحرش بالنساء هو بسبب خروجهن من منازلهن للعمل ويتناسون أن هذا طريق للكسب الحلال وبطريقة شريفة، أو من يرددون أن النساء بتبرجهن أو عدم لبسهن حجاباً أو نقاباً هن من دفعن الآخرين إلى التحرش بهن، وهذه مقولات مكررة وعقيمة علاجها القوانين الصارمة وتطبيقها بحزم وقوة.