-A +A
أسامة يماني
المشاهد والملموس أن العلاقات الأمريكية مع الخارج تجسد المنفعة البشعة التي لا حدود لها لصالح الجانب الأمريكي. في حين أنه من تجربتي خلال الفترة التي قضيتها طالباً في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعرفت فيها على العديد من الأمريكان الذين وجدت فيهم العديد من الصفات الإنسانية الرائعة، وأستطيع أن أقول لقد كانت تجربة إنسانية جميلة تستحق الإشادة بها. على خلاف سياسات الولايات المتحدة الأمريكية التي تفتقد للديموقراطية وباختصار تخالف كل ما شاهدته من أخلاق وقيم وإنسانية على مستوى العلاقات الشخصية البعيدة عن السياسة الخارجية.

أما على صعيد السياسة الأمريكية فلا أخلاق ولا قيم، وكل ما ترفعه أمريكا من شعارات فارغة تريد منها تحقيق مصالحها حتى لو على حساب حلفائها وأقرب أصدقائها الدوليين. مثال صارخ على ذلك ما صرح به بايدن عندما كان مرشحاً للرئاسة حيث شدد المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية جو بايدن من حدة نبرته تجاه السعودية، مؤكداً ضرورة معاقبة الرياض. وذكر بايدن نائب الرئيس في عهد باراك أوباما رداً على سؤال عن الطريقة التي يتعين على الولايات المتحدة، قال إنه كان سيمضي في تجميد المساعدات العسكرية إلى الرياض وجعل السعودية دولة منبوذة على الصعيد الدولي. وقال: «كنت سأوضح بجلاء أننا لا نعتزم في الواقع بيع الأسلحة لهم، وننوي إجبارهم على دفع الثمن ونبذهم». وتابع بايدن أنه كان سيلغي جميع الإعانات الأمريكية الممنوحة للسعوديين ومبيعات أي مواد لهم، مضيفاً أن حكومة السعودية «تحظى بقيمة اجتماعية إيجابية قليلة جداً».


لم يتمكن الرئيس الأمريكي من القيام بأي عمل عدائي ضد السعودية الحليفة والصديقة لأمريكا في المنطقة منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق دوايت ديفيد أيزنهاور، بل غير وعدل الرئيس بايدن موقفه تجاه السعودية عندما أصبح رئيساً لأمريكا استشعاراً منه بقوة السعودية السياسية والاقتصادية، وكونها قائداً وزعيماً للعالم الإسلامي.

اليوم تدافع أمريكا عن أوكرانيا ليس حبّاً في أوكرانيا، بل رغبة في محاصرة روسيا بدول جوار يشكلون تهديداً حقيقياً لروسيا، ونشر صواريخ ومعدات عسكرية تهدد أمن واستقرار روسيا. متناسية أزمة الصواريخ الكوبية التي رفضت فيها أمريكا أن يقوم الاتحاد السوفيتي (روسيا حالياً) بنشر صواريخ في كوبا. بمعنى أن أمريكا تكيل بمكيالين، أو كما يقال حلال علينا حرام عليهم. إن هذا السلوك الأمريكي يهدد بقيام حرب عالمية، ويعرض أمن واستقرار أوروبا حليف الولايات المتحدة الأمريكية للخطر، كما يهدد السلم والأمن الدوليين.

وكذلك لرغبة واشنطن إبعاد ألمانيا عن روسيا؛ خوفاً من تنامي العلاقة بين البلدين بانتهاء خط نورد ستريم وتدفق الغاز الروسي. لهذا تعمل واشنطن إلى خلق تصور بأن روسيا تشكل تهديداً أمنياً لأوروبا، وتجعله هدفًا لها. إن واشنطن بحاجة إلى إظهار بوتين معتدياً متعطشاً للدماء لديه مزاج مثير للشعور لا يمكن الوثوق به. وتحقيقاً لهذه الغاية، تم تكليف وسائل الإعلام بإعادة التأكيد مراراً وتكراراً على أن «روسيا تخطط لغزو أوكرانيا»، لهذا نرى موقف ألمانيا مغايراً للموقف الأمريكي، ففي المقابل، حذرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك من «التكهن» بنوايا روسيا في ما يتعلق بأزمة أوكرانيا، بعدما أعرب الرئيس بايدن عن اعتقاده بأن نظيره الروسي فلاديمير بوتين اتخذ قرار غزو الجمهورية السوفياتية السابقة. وقالت بيربوك في ردها على سؤال عما إذا كانت تتفق مع تقييم بايدن: «في الأزمات، أسوأ ما يمكن القيام به هو التكهن أو افتراض قرارات الطرف الآخر». وجاءت تصريحاتها في أعقاب اجتماع لوزراء خارجية دول مجموعة السبع التي تترأسها برلين حالياً.

واشنطن دائماً في كل أزمة تختلقها تعمل لصالحها فقط وليس لصالح حلفائها. وما تبع غزو العراق من أحداث وقيام واشنطن بحل الجيش العراقي لكي تسود الفوضى وانعدام الأمن له مثال واضح لرغبة واشنطن في تفتيت وتقسيم العراق وأن تدب الفوضى في المنطقة بهدف تحقيق مخططهم الشرق الأوسط الكبير، ضاربة عرض الحائط بمصالح حلفائها في المنطقة.

لهذا لا يجب أن نصدق أن واشنطن حريصة على مصالح حلفائها وأصدقائها، كما جاء في كلمة نائبة الرئيس الأمريكي كامالا ديفي هاريس التي هددت في كلمتها أمام المؤتمر بتعزيز قوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية، إذا غزت روسيا أوكرانيا، متوعدة موسكو بعقوبات اقتصادية «قاسية وفورية». وأضافت في كلمة ألقتها خلال مؤتمر ميونيخ للأمن: «لن نتوقف عند الإجراءات الاقتصادية بل سنعزز قوة حلفائنا في الناتو في الجانب الشرقي».

إن استراتيجية واشنطن تظهر من الصفحة الأولى من دليل السياسة الخارجية الأمريكية تحت عنوان: فرق تسد. وقد سبق أن أقر مجلس الأمن القومي الأمريكي في الـ15 من نيسان 1953 توصيات (مجلس الاستراتيجية النفسية) بعد أن حصلت على موافقة الرئاسة الأمريكية. سياسات تحقق مصلحة واشنطن أولاً وأخيراً.

إن واشنطن ترى في الصداقة والحليف وسيلة لتحقيق مصالحها أولاً وأخيراً ولو كان ذلك على حساب الحلفاء والأصدقاء لغرض استمرار الهيمنة على العالم. إنها الصداقة لصالح طرف واحد.