-A +A
بدر بن سعود
أكثر من ثلاثين حياً عشوائياً يجري العمل على إخلائها وإزالتها في مدينة جدة السعودية، والإزالة أعلنت عنها في عام 2017، وقدرت قيمة المتر المربع بأربعة آلاف لأصحاب الصكوك، وهناك إجراءات مشابهة في معظم المدن الرئيسية بالمملكة، وعلى رأسها مدينة مكة المكرمة، والدولة ستقوم بتطوير العشوائيات الموجودة في مراكز المدن الرئيسية، وستحولها إلى أماكن سكنية وسياحية واستثمارية، وعلى طريقة ميدان التايمز سكوير في مركز مدينة نيويورك الأمريكية، والذي يضم شركات ومطاعم وفنادق وناطحات سحاب متعددة الأغراض.

عشوائيات مكة المكرمة، في رأيي، تقدم نموذجاً جاهزاً للتطوير، فالمتر الواحد فيها لا يتجاوز ألفي ريال سعودي، ولكنه بعد التأهيل قد يصل إلى 40 ألف ريال، أو ما يعادل ثمانية آلاف دولار أمريكي، ويوجد فيها 65 حياً عشوائياً، غالبيتها في الجبال القريبة من المنطقة المركزية للمسجد الحرام، وهذه ميزة جاذية للمستثمرين، بالإضافة إلى أسواقها المخالفة، التي تنشط في موسمي عمرة رمضان والحج، وتتكسب من بيع البضائع المغشوشة والفاسدة والمسروقة، وبدون شك، تنظيم هذه الأنشطة بترخيصها وضبط تعاملاتها سيحقق منافع كثيرة للاقتصاد الوطني.


العشوائيات ليست مشكلة جديدة، فقد بدأت في مدينة نيويورك الأمريكية، وكان هذا في القرن التاسع عشر الميلادي، وفي نفس الفترة، عانت مدينة لندن الإنجليزية من ذات المشكلة، والعشوائيات اللندنية كانت في منطقة وستمنستر الأكثر ازدحاماً في العاصمة البريطانية، ووصفت في ذلك الوقت بأنها تجمعات للجهل والرذيلة والجريمة والأمراض.

حتى يتم تقدير حجم المسألة بصورة صحيحة، فالإحصاءات الدولية تؤكد وجود أكثر من مليار شخص يعيشون فيها، وهم في مجموعهم يمثلون ما نسبته 15% من إجمالي سكان العالم، ومن المتوقع أن تصل أعدادهم إلى مليارين في أقل من عشرة أعوام، وتعتبر دول أمريكا اللاتينية وشمال أفريقيا وشبه القارة الهندية الأكثر معاناة من العشوائيات، وساكنو الأحياء العشوائية ليسوا بالضرورة من مجهولي الهوية، أو من مخالفي الأنظمة، وبينهم مواطنون مثلما نعرف، واليسار في فرنسا يحرص على عدم التعرض لهم، لأن أصواتهم تهمه في الانتخابات وتوصله إلى مقاعد السياسة.

المسؤولية مشتركة بالتأكيد بين الجهات المعنية بملف العشوائيات، فما تنطوي عليه من تحديات أمنية وبيئية واجتماعية واقتصادية لا يمكن أن تقوم به جهة لوحدها، إلا أن وزارة الشؤون البلدية دورها أكبر من غيرها، وعدم قيامها بالدور الرقابي المطلوب، طوال خمسين عاماً مضت، هو الذي أوصل قضايا العشوائيات لما وصلت إليه، وبالتالي فالحلول البلدية تحتاج لعناية خاصة، وإلى التوافق على أرضية مشتركة لمساهمة القطاعين الخاص وغير الربحي، وبلا تشوهات بصرية أو هندسية تؤثر في تخطيط المدن العمراني، وكذلك اتخاذ التدابير الكفيلة بمنع الأحياء البديلة أو مناطق الإحلال من التحول إلى عشوائيات ووقف تمددها، فمعظم العشوائيات ليست إلا أحياء شعبية مهملة في أصلها.