-A +A
نجيب يماني
لا أجد وصفًا أليق وأكثر اتساقًا وتطابقًا لـ«حفلة اللّطم» التي «أحياها» المدعو حسن نصرالله، الأسبوع المنصرف؛ إلا صورة «جرذ» في مصيدة، أطبقت عليها خناقها، واستحكمت منه أشدّ الإحكام، فلم يجد منها فكاكًا، ولم يبقِ له من حيل الخلاص إلا الصراخ بلا معنى، والعويل بلا جدوى، والفرفرة بلا مغيث أو معين..

أقول هذا على التحقيق لا الظن والتخرّص، واليقين لا الحدس والتخمين، قياسًا على حالة العزلة التي يعيشها هو وحزبه المأفون، وهي حالة جاءت محصلة لجهود كبيرة قامت بها الدبلوماسية السعودية خلال الفترة الماضية، بتؤدة وروية، وبصيرة رمت بعيدًا، وأعادت ترتيب البيت العربي، والمحيط الإقليمي بما يضمن تجفيف بؤر العمالة والارتزاق للمشروع الصفوي المنبعث نتانة من «قم».


فكان دورها المنظور في إعادة العراق إلى الحضن العربي، وقطع الطريق على التمدد الفارسي في مفاصل الدولة والمجتمع، على نحو هدد نسيجه الاجتماعي، وفجّر الفتن في أوصاله، وكادت «بغداد» أن تغدو ولاية فارسية، وقاعدة إيرانية تنطلق منها الشرور في المحيط الإقليمي، وتتناسل منها بؤر الإرهاب عبر وكلائها في المنطقة من شاكلة مليشيا الحوثي الإرهابية في اليمن، وحزب الله اللبناني، وما في حكمها من البؤر النشطة والنائمة في بعض البلدان العربية والخليجية..

فجاءت خطوة المملكة لتئد هذه الفتنة قبل أن تستفحل ويصعب حلها، واستطاعت أن تسد الطريق على النظام الصفوي، وتشلّ طريق إمداده لحزب الله، الذي عاث فسادًا في لبنان، وأحال الوضع فيه إلى ما هو عليه اليوم من أوصال ممزقة، ووضع ملغوم قابل للانفجار في أية لحظة.

خطوة ترتيب البيت العراقي، سبقتها خطوة ترتيب البيت اليمني، من خلال جهود قوات التحالف المشتركة، وضرب أحد جيوب العمالة والارتزاق للنظام الصفوي في البيت العربي الكبير، فلولا التحرّك السريع الذي قامت به المملكة وقيادتها للتحالف، وشنها لـ«عاصفة الحزم»، لاستطاعت الدولة الفارسية أن تبني لها وجودًا مقلقًا في هذا المحيط، وتبث سمومها وأحلامها الوضيعة بالسيطرة على محيطها الإقليمي، فلا غرو إذن أن يكثر «حسن» من الصراخ والعويل، ويزيد في «اللطم» وشق الجيوب تباكيًا كلمّا اشتدّ الخناق على «الحوثي»، ونال ما يستحقه من جزاء جرّاء عمالته وارتزاقه ورهن الإرادة اليمنية إلى السطوة الصفوية، فلا يزايد «حسن» على المملكة في حرصها على اليمن، وسلامة أراضيه، وأمن شعبه، ولا يخاتل بالبكاء على الشعب اليمني زيفًا وتمويهًا للحقيقة الجلية، فما قدمته وتقدمه المملكة للشعب اليمني، قد رتق ما فتقته مليشيا الحوثي الإرهابية، وضمّد الجراح التي اقترفتها المليشيا، وسلاح «التحالف» ماضٍ إلى أهدافه بدقة وحرص شديدين، فلا يزايد «حسن» ولا يخاتل، وليستعد في مقبل الأيام لمزيد من «حفلات اللطم» هذه، فلا تهاون ولا تراجع حتى تموت الفتنة، ويندثر الارتزاق، وينقطع حبل العمالة الواصل نزقًا من عند «قم»..

أما دور المملكة في لبنان على مر الحقب والسنوات، فقد ظل ثابتًا ومبدئيًا، في حرصه على الاستقرار في هذا البلد الشقيق، وتأمينه من غوائل التطرّف، وبوائق الطوائف التي عبثت بنسيجه الاجتماعي، ويمثل حزب الله الأخطر في هذا الصدد، بما يقترفه من مآثم، ويحدثه من جرائم يحاول أن يغطّى عليها بالتهديد، والاغتيالات المعنوية والمادية، واضعًا أمن هذا البلد في خطر مستمر، وتوتر دائم، ولا أدلّ على ذلك من حالة العزلة التي يعيشها لبنان اليوم، وتوتر العلاقة بينه ودول الخليج، والسبب معروف، فليس في حديث «حسن» حول المملكة شميم من صدق، أو مسكة من حق؛ بل إن مجرد مناقشة الترهات التي تفوّه بها «الشاطر حسن» حول المملكة في «حفلة اللطم» الأخيرة لا أرى فيه منقصة تلحق بالمملكة ودورها الريادي في المنطقة، ولا أجد مكانًا أليق بما قاله سوى تضمينه في فصل من مسرح العبث و«الكوميديا السوداء»، فهو أليق مكان بمثل هذه المفرقعات الصوتية، والترهات الملغمة.

إن ما جاء به «الشاطر حسن» في «حفلة اللطم» الأخيرة فصل من فصول اعتدنا عليها، وظهور سنوي يؤخذ في إطاره المشار إليه آنفًا، أو على اعتبار أنه لحظة «تنفيس» لذات مأزومة بالعمالة، وطوية خبيثة بالارتزاق بدأها بالتباكي والنواح على الإرهابي الهالك قاسم سليماني ورفيقة المهندس وكلاب الإرهاب المنفلتة بضربة أمريكية نوعية متقنة جزى الله من أمر بها وخطط لها وقام بتنفيذها.

فنحْ يا حسن، وابكِ، فهذا دورك نائحة مستأجرة، وتأكد أن مصيرك الأسود قادم بإذن الله لترتاح لبنان والعالم من مخدراتك ومؤمراتك ونواحك ولطمك المستمر، فمهما قلت ولطمت فلا تؤاخذ على ذلك إلا بمقدار ما يؤخذ على الأحمق من بوائق، والعيي من مزالق، والغبي من سواقط، فهذا من ذلك، وإن الشيء من معدنه لا يستغرب، إنما العجب كل العجب لمن أرخى لك سمعًا، أو فتح لك أذنًا، أو اقتعد لك مقعدًا، أو صدّق لك كذبًا.. وهيهات.