-A +A
محمد مفتي
خلال الشهور القليلة الماضية اعتقد البعض أن جائحة كورونا التي ضربت الغالبية العظمى من دول العالم من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه قد انتهت وذهبت أدراج الرياح وغدت ذكرى من الماضي القريب، وربما كان السبب في ذلك هو الانخفاض الحاد في أعداد الإصابات والوفيات بهذا الفايروس في المملكة، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال البيانات التي أصدرتها وزارة الصحة تباعاً خلال الفترة الماضية، غير أنه في حقيقة الأمر فإن تلك النتيجة المثيرة للتفاؤل بشأن أعداد الإصابات والوفيات كانت تتعلق بالمملكة فحسب ولا تعبر عن الأوضاع الحقيقية في بقية دول العالم.

بنظرة سريعة شاملة على الأوضاع والإحصائيات التي تصدرها الجهات المعنية دولياً نجد أن هناك دولاً غربية وشرقية ما زالت تعاني ارتفاعاً متسارعاً ملحوظاً في أعداد الوفيات والمصابين لديها، وبشكل يهدد بانتشار الأزمة وعودتها إلى السطح مرة أخرى ما قد يعيدنا إلى المربع الأول دون إحراز تقدم يذكر، ويلاحظ أن التهاون في تطبيق الإجراءات الاحترازية من البعض أدى إلى ارتفاع منحنى الإصابة بالفايروس مرة أخرى بالمملكة، وهو ما يعني أن الأزمة ما زالت مستمرة، بل وقد تؤدي إلى نفس الإجراءات الاحترازية المشددة التي اتُخذت في ما سبق كمنع التجول الجزئي أو الكلي لا قدر الله في محاولة لاحتواء الأزمة قبل استفحالها.


لا أبالغ إذا ذكرت أن هناك العديد من دول العالم أصبحت حكوماتها عاجزة عن الإدلاء حتى بالأرقام الدقيقة لأعداد المصابين والوفيات خشية إثارة الهلع بين شعوبها، وهذا الارتفاع المتزايد في تلك الدول يعود إلى العديد من الأسباب، منها عدم تطبيق الإجراءات الاحترازية الضرورية منذ بداية الأزمة، ومنها اكتشاف مدى تفاقم الخسائر الاقتصادية في حال تطبيق حظر التجوال الكلي أو الجزئي، ما دفع الكثير من المواطنين بها إلى ضرورة التعايش مع الجائحة كأمر واقع لا مفر منه، خاصة في ظل عدم وجود علاج فعال للفايروس، فكل ما توصل إليه العلماء حتى هذه اللحظة هو تطوير اللقاحات للتخفيف فقط من حدة آثار المرض عند الإصابة به.

ومن الأسباب التي أدت أيضاً إلى زيادة أعداد المصابين في الدول الأخرى هو عدم قدرة حكوماتها على شراء تلك اللقاحات من الشركات المطورة لها بسبب عدم توافر الموارد المالية لتغطية تكاليفها، ما دفعها إلى مناشدة الدول القادرة للتبرع بما يمكن توفيره، أضف إلى ذلك وجود عدد من الدول -تتوافر لديها القدرات المالية على شراء اللقاحات- غير أنها تعاني من ارتفاع ملحوظ في عدد سكانها، ما يعني عدم قدرتها على توفير العدد الكافي من اللقاحات لكل فرد وأسرة، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان أن اللقاح يتطلب جرعتين على الأقل حتى يتحقق الهدف المنشود منه.

ما زاد الأمر صعوبة هو قدرة هذا الفايروس على التحور على نحو أكثر شراسة عما كان، وهو ما أثار العديد من التساؤلات عن مدى جدوى وقدرة اللقاحات المتوافرة مثل فايزر وأسترازينيكا وغيرهما على التعامل مع الفايروسات الأخرى الوليدة، وبغض النظر عن الإجابة عن هذا التساؤل فإن الحقيقة التي لا مفر منها هي أن هذه اللقاحات تساعد على مقاومة الفايروسات على الأقل عند مهاجمتها الجسم، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار عدم وجود بديل مؤكد يمكن الاعتماد عليه بدلاً من المتوافر حالياً في المراكز الطبية المتخصصة، حتى في الدول المطورة لهذه اللقاحات نفسها.

حرصت العديد من الدول ومنها المملكة على توفير جرعة ثالثة من اللقاحات لكل من يتواجد على أراضيها، وهي بلا شك من أفضل اللقاحات المتوفرة في كافة دول العالم، وقد أكدت استراتيجية المملكة في إدارة الأزمة نجاحها وقد ظهر ذلك جلياً في انخفاض ملحوظ في أعداد المصابين والوفيات خلال الفترة الماضية، وهذه النتيجة تدفعنا للمضي قدماً في الاستمرار في التجاوب مع تصريحات الجهات المختصة في المملكة بضرورة المسارعة في تلقي الجرعة الثالثة من اللقاح، حتى يمكننا الحفاظ على الإنجاز الذي حققته الدولة من خلال سعيها لتوفير مجتمع صحي آمن للجميع، فالغاية المنشودة في المقام الأول والأخير تصب في صالح المواطن وأسرته، فتبعات أي مرض -لا قدر الله- لا يتحملها إلا من أصيب به، خاصة في ظل قدرة هذا الفايروس على تدمير مناعة الجسم بسرعة فائقة بما يدفعنا لأن نكون دوماً في أشد حالات الاستنفار والحذر.